المصدر الأول لاخبار اليمن

توغلات بلا ردّ: ماذا يريد الكيان الإسرائيلي من ريف القنيطرة السوري؟

دمشق/وكالة الصحافة اليمنية

لم يعد توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري، وتحديدًا في ريف محافظة القنيطرة حدثًا استثنائيًا، بل نمطًا ميدانيًا يتكرر بصمت، بعيدًا عن ضجيج المعارك ودون تصدي، ودون ردود رسمية سورية مباشرة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات تتجاوز الخبر العاجل إلى ما هو أعمق: هل تتحول هذه التحركات إلى واقع أمني جديد؟ وتفكيك اتفاقية فصل القوات قطعةً قطعة؟

تحرك مدروس لا اشتباك فيه
صباح اليوم الثلاثاء، دخلت قوة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ترافقها ثلاث مركبات بيضاء من نوع “هايلكس”، عبر مدخل بلدة بئر عجم، واتجهت نحو قرية بريقة القديمة، وفق ما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
التحرك استمر قرابة ساعة، وانتهى بانسحاب القوة دون تسجيل أي مواجهات، في مشهد تكرر للمرة الثانية خلال ساعات، بعد توغل محدود سابق في قرية صيدا المقرز.
غياب الاشتباك لا يعني غياب الرسالة؛ فالتحركات “الإسرائيلية” جاءت في مناطق مدنية مأهولة، وعلى مسافات قريبة من خطوط فصل القوات، ما يمنحها طابعًا استطلاعيًا – سياسيًا أكثر من كونه عملية عسكرية تقليدية.
مصادر محلية في المنطقة تحدثت عن قيام قوات الاحتلال بتحركات استطلاعية وتفتيش ميداني، دون تسجيل أي نشاط عسكري سوري مقابل، ما يعزز مساعي “إسرائيل” لفرض وقائع أمنية هادئة بدل التصعيد المباشر.

 

غياب الذريعة العسكرية
المفارقة أن هذه التوغلات جاءت في ظل غياب أي تهديدات سورية معلنة تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي، أو نشاط عسكري في المنطقة الجنوبية. ورغم ذلك، تواصل قوات الاحتلال عملياتها البرية المحدودة، بالتوازي مع غارات جوية متكررة استهدفت، وفق بيانات عبرية، “مخازن أسلحة ومواقع عسكرية”  للجيش السوري.
مهتمون بالشأن العسكري يرون أن هذه التحركات لا تستند إلى “رد فوري” أو “تهديد آني”، بل إلى إعادة رسم قواعد اشتباك جديدة على الأرض، مستفيدة من حالة السيولة السياسية والأمنية في سوريا.

 

من المنطقة العازلة إلى واقع الاحتلال
التحولات الحالية لا يمكن فصلها عن إعلان الكيان الإسرائيلي، في ديسمبر 2024، انهيار اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974، وهو الإعلان الذي تبعه دخول قواتها إلى المنطقة العازلة السورية وفرض سيطرة فعلية عليها.
منذ ذلك الحين، لم تعد المنطقة العازلة “خطًا فاصلًا” بقدر ما أصبحت مساحة مفتوحة للمناورة العسكرية “الإسرائيلية”، وسط غياب آليات دولية فاعلة لإعادة تفعيل الاتفاق أو فرض التزامات الطرف الإسرائيلي.

 

الإطار القانوني الدولي: خرق واضح
من منظور القانون الدولي، تُعدّ هذه التوغلات خرقًا مباشرًا: للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي أي دولة.
اتفاقية فصل القوات لعام 1974، التي أنشأت منطقة عازلة تخضع لرقابة قوات “الأندوف” التابعة للأمم المتحدة، تحظر دخول أي قوات عسكرية غير مصرح لها.
خبراء في القانون الدولي قالوا إن “أي دخول عسكري إسرائيلي إلى المنطقة العازلة أو خارجها، دون تفويض أممي أو حالة دفاع شرعي مثبتة، يُعد عملًا غير مشروع دوليًا”.

 

انهيار الاتفاق.. أم تفريغه؟
في ديسمبر 2024، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي رسميًا أن اتفاقية فصل القوات “لم تعد قائمة”، في خطوة أحادية الجانب، تبعتها سيطرة مباشرة على أجزاء من المنطقة العازلة السورية.
ورغم أن الأمم المتحدة لم تصدر قرارًا يقرّ بانهيار الاتفاق، إلا أن ضعف رد الفعل الدولي سمح بتحويل الإعلان “الإسرائيلي” إلى أمر واقع ميداني، مع استمرار عمل قوات “الأندوف” بقدرات محدودة ودون صلاحيات ردع.

 

مفاوضات أمنية… وسلاح الميدان
بالتزامن مع التصعيد الهادئ، تتحدث مصادر دبلوماسية وإعلامية إقليمية عن مفاوضات غير معلنة بين دمشق وحكومة الاحتلال، تتمحور حول تفاهمات أمنية جديدة، تشترط فيها سوريا العودة إلى خطوط ما قبل ديسمبر 2024.
غير أن التوغلات البرية المتكررة تضع هذه المفاوضات في سياق مختلف، إذ يرى مراقبون أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تستخدم الميدان كوسيلة ضغط، عبر: تثبيت نقاط نفوذ غير معلنة، اختبار ردود الفعل السورية والدولية، تحسين شروط التفاوض من موقع القوة.
ومع كل ذلك فأن التوغلات البرية المتكررة تطرح سؤالًا جوهريًا: هل يستخدم الاحتلال الإسرائيلي الميدان كورقة ضغط تفاوضية؟
أم أن الوقائع الجديدة تُفرض باعتبارها أمرًا واقعًا غير قابل للتراجع؟

 

غياب الرد.. وتراجع الدور الدولي
رغم توثيق هذه التوغلات عبر الإعلام الرسمي السوري، لم يصدر حتى الآن أي موقف حكومي أو دولي حاسم، كما لم يُسجَّل تحرك فعلي من مجلس الأمن أو قوات “الأندوف” يتجاوز بيانات القلق الروتينية.
هذا الصمت، – وفق محللين – يشجع على تطبيع الخرق وتحويله من انتهاك استثنائي إلى ممارسة اعتيادية.

ويبدو أن ما يجري في ريف القنيطرة لا يبدو تحركًا عابرًا ولا عملية أمنية محدودة، بل جزءًا من استراتيجية “إسرائيلية” أوسع تهدف إلى:

تثبيت حضور ميداني منخفض الوتيرة
اختبار حدود الرد السوري
فرض معادلة أمنية جديدة تتجاوز اتفاق 1974
إعادة هندسة هادئة للحدود الأمنية
تفريغ عملي لاتفاقية دولية قائمة
اختبار مفتوح لحدود القانون الدولي وفاعليته
وفي ظل غياب رد سياسي أو قانوني فاعل، تتحول التوغلات الإسرائيلية من خرق مؤقت للسيادة إلى سابقة قابلة للتوسع، ما ينذر بتكريس واقع جديد في الجنوب السوري… دون إعلان رسمي، ودون مساءلة.

قد يعجبك ايضا