من “صومال لاند” إلى شرق اليمن: خرائط النفوذ “الإسرائيلية” والإماراتية والسعودية تتقاطع
عدن | وكالة الصحافة اليمنية
مع إعلان كيان الاحتلال الإسرائيلي اعترافه بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة باسم (جمهورية صومال لاند)، الذي عمل كدولة بحكم الأمر الواقع منذ انفصاله عن الصومال عام 1991، دون أن يحظى باعتراف دولي واسع، عاد إلى الواجهة ملف ظلّ مغلقًا لعقود، يتعلق بإعادة تموضع القوى الإقليمية والدولية في القرن الأفريقي، أحد أكثر الأقاليم حساسية في الجغرافيا السياسية العالمية.
الحدث لم يكن دبلوماسيًا معزولًا، بل تطورًا لافتًا في مشهد إقليمي متشابك، تتقاطع فيه ملفات البحر الأحمر واليمن، وتتداخل فيه صراعات النفوذ بين أطراف إقليمية تخوض تنافسًا خفيًا على الجغرافيا والثروة.
وبهذا الإعلان، الذي وصفته وسائل إعلام عبرية بـ “الاختراق الاستراتيجي”، أصبح الاحتلال أول كيان يمنح الإقليم الانفصالي شرعية سياسية، في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، لا سيما في ظل بعد الدور الذي لعبته صنعاء في إسناد المقاومة الفلسطينية خلال حرب الإبادة على غزة، واشتداد التوتر في المحافظات اليمنية الشرقية.
منصة جيوسياسية لا مجرد إقليم
تقع صومال لاند على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، مقابل السواحل اليمنية مباشرة، في منطقة تتحكم بأحد أهم الممرات البحرية العالمية التي تربط آسيا بأوروبا.
هذا الموقع يمنح الإقليم قيمة استراتيجية مضاعفة، خصوصًا في ظل سيطرة قوات صنعاء على مساحات واسعة من شمال وغرب اليمن، وما رافق ذلك من استهدافات متكررة للملاحة المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
ويرى الكاتب والباحث السياسي اللبناني الدكتور “ميخائيل عوض” في تصريح لوكالة الصحافة اليمنية: “أن الاعتراف الإسرائيلي لا ينطلق من اعتبارات دبلوماسية بحتة، بل يرتبط بإعادة هندسة طوق أمني بحري يمتد من شرق أفريقيا إلى جنوب البحر الأحمر، في مواجهة ما تعتبره حكومة “نتنياهو” المتطرفة تمدّدًا معاديًا في اليمن.
ويضيف: “هذا الموقع الحساس لموقع أرض لاند، إلى جانب الفراغ القانوني الدولي الذي يحيط بالإقليم، جعله هدفًا مغريًا لقوى استعمارية تبحث عن مرونة عسكرية واستخباراتية خارج القيود التقليدية، في ظل نظام دولي يشهد حالة من الاضطراب غير مسبوقة، مما يفسر التصاعد الحاد في التوترات العالمية، ينذر بموجة انفصالات وصراعات جديدة”.
البعد الأمني: الموساد حاضر
المؤشر الأخطر تمثل في البيان الصادر عن مكتب رئيس حكومة الاحتلال، الذي أشار صراحة إلى مشاركة رئيس جهاز الموساد “دافيد برنيع” في المحادثات مع مسؤولي “صومال لاند”، وهو ما يعكس الطابع الأمني والاستخباراتي للخطوة، في خروج واضح عن الأعراف الدبلوماسية.
يقول ميخائيل عوض: “ليس صدفة أن يشير البيان الرسمي الصادر عن مكتب رئيس حكومة الاحتلال إلى مشاركة رئيس جهاز الموساد الاستخباراتي دافيد برنيع في المباحثات، في مؤشر واضح على أن البعد العسكري كان حاضرًا بقوة منذ اللحظة الأولى، وبأن اليمن في مقدمة مخطط عدواني إسرائيلي مرتقب”.
ويضيف: “هذا الحضور يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول طبيعة التعاون المحتمل، وحدوده، وما إذا كان الاعتراف مقدمة لترتيبات عسكرية أو استخباراتية في الإقليم”.
الإمارات وواشنطن: حلقة الوصل بين الكيان وشرق أفريقيا
بحسب تقارير عبرية، حظي الاعتراف الإسرائيلي بدعم إماراتي مباشر. وتتمتع أبوظبي بنفوذ عسكري واقتصادي واسع في “صومال لاند”، عبر قاعدة بربرة العسكرية التي تضم ميناءً عسكريًا ومدرجًا للطائرات المقاتلة وطائرات النقل.
وتشير تقديرات نشرتها صحيفة “والا” العبرية، إلى أن هذه القاعدة شكّلت جزءً من البنية اللوجستية للحملة العسكرية التي قادتها الإمارات والسعودية في اليمن، خصوصًا في دعم قوى انفصالية جنوبية، ما يجعلها عنصرًا محوريًا في أي ترتيبات أمنية مستقبلية مرتبطة باليمن، كما يجعلها نقطة تقاطع بين الملفين: القرن الأفريقي واليمن.
وفي محاولة لكسب الدعم الأميركي، أعلن الاحتلال الإسرائيلي و”صومال لاند” أن إقامة العلاقات بينهما تتم “بروح اتفاقيات أبراهام”.
ووفق تقارير عبرية، وصلت بعثة أميركية إلى الإقليم، في خطوة تعزز التكهنات حول دور أميركي محتمل، خصوصًا في ظل تنافس دولي محتدم مع الصين على النفوذ في القرن الأفريقي.
وتعيد هذه التحركات إلى الأذهان ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أشهر، عن عرض “صومال لاند” إقامة قاعدة عسكرية أميركية مقابل الاعتراف باستقلالها.
اعتراضات إقليمية ومخاوف استراتيجية
قوبل الاعتراف “الإسرائيلي” بإدانة فورية من الحكومة الصومالية في مقديشو، بدعم واضح من مصر وتركيا والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية، التي اعتبرت الخطوة تهديدًا للتوازن الإقليمي ومحاولة لفرض وقائع جديدة في البحر الأحمر دون توافق دولي.
كما تتابع إثيوبيا التطورات عن كثب، وهي التي وقّعت سابقًا مذكرة تفاهم مع صومال لاند للحصول على منفذ بحري، قبل أن يُجمّد الاتفاق تحت ضغط إقليمي.
يحذر “الطيب سعيد” أحد أبناء الجالية الصومالية في اليمن في تصرح خاص لوكالة الصحافة اليمنية: ” من أن الاعتراف قد يعيد إشعال حرب أهلية جديدة في الصومال، ويغرق المنطقة بما فيها اليمن والبحر الأحمر في فوضى تهدد أحد أهم الممرات البحرية العالمية، ويفتح بابًا لتحديات وصراعات كبيرة في المنطقة يصعب مواجهتها “.
وفي الأشهر الأخيرة، تزايدت التحليلات التي تربط بين التصعيد “الإسرائيلي” المحتمل ضد اليمن، وبين البحث عن منصات عسكرية أو استخباراتية قريبة من مسرح العمليات.
وفي هذا السياق، تبدو “صومال لاند” خيارًا مثاليًا من حيث القرب الجغرافي، والفراغ القانوني، وغياب الرقابة الدولية الصارمة.
ورغم عدم صدور إعلان رسمي بشأن قواعد “إسرائيلية”، إلا أن سوابق مشابهة – كالنشاط الإسرائيلي في إريتريا سابقًا – تجعل هذه الفرضية محل نقاش جدي في الأوساط البحثية.
اليمن في قلب الحسابات
بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، فإن السيطرة غير المباشرة على نقاط مقابلة لليمن تكتسب أهمية مضاعفة في ظل سيطرة قوات صنعاء على مساحات واسعة من الساحل اليمني، وتصاعد الهجمات المرتبطة بالبحر الأحمر، وانخراط صنعاء بشكل علني في إسناد غزة، وتآكل الردع “الإسرائيلي” جنوبًا.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي الفلسطيني محمد شاهين في تصريح خاص لوكالة الصحافة اليمنية: “أن الاعتراف بصومال لاند قد يفتح المجال أمام ترتيبات تهدف إلى تطويق اليمن بحزام بحري – بري، يسهّل أي عمليات عسكرية أو استخباراتية مستقبلية”.
ولفت شاهين: إلى أن “اليمن كان البلد العربي الوحيد وأكثر دول محور المقاومة في إسناد غزة عبر فرض حصار بحري خانق كبد العدو الإسرائيلي خسائر اقتصادية فادحة، كما ساهم في إغلاق الملاحة الجوية للعدو مما ضاعف خسائره وتسبب بانهيار شبه تام لقطاع السياحة الذي يعتبر من الموارد الاقتصادية للعدو الإسرائيلي”.
شرق اليمن: ساحة صراع الحلفاء
لا يمكن فصل هذه التحركات عن التصعيد المتزايد في حضرموت والمهرة، حيث تتصاعد الصراعات بين فصائل موالية للإمارات وأخرى تابعة للسعودية، في انعكاس مباشر لتحول العلاقة بين الطرفين من الشراكة في الحرب على اليمن إلى تنافس مفتوح على النفوذ.
ويرى سكان محليون، أن هذا الصراع أفضى إلى تفكك المشهد الأمني واستنزاف القوى المحلية، بينما تبقى القرارات الكبرى بيد العواصم الإقليمية.
تعكس هذه الصراعات تحوّل العلاقة السعودية–الإماراتية من تنسيق ميداني إلى تنافس مفتوح على الجغرافيا والنفوذ، خصوصًا في المحافظات الغنية بالثروات الطبيعية والمنافذ الاستراتيجية.
ويرى محللون يمنيون أن: الإمارات تركز على دعم قوى محلية مسلحة تضمن لها نفوذًا طويل الأمد، بينما تسعى السعودية إلى إعادة ضبط المشهدلصالح نفوذها عبر قوى موالية مباشرة لها.
تقاطع المسارات: من بربرة إلى حضرموت
عند ربط الخيوط، يظهر أن: “صومال لاند” تمثل الامتداد الأفريقي للمشروع الأمني، فيما شرق اليمن يمثل الخاصرة البرية لهذا المشروع، أما الصراع السعودي – الإماراتي يعكس اختلاف الرؤى حول من يدير هذه الخاصرة وكيف؟ كما يطرح التوقعات بأن يمهّد الاعتراف بـ”صومال لاند” لإعادة انتشار عسكري “إسرائيلي” – إماراتي قرب اليمن.
وما بين اعتراف “إسرائيلي” في القرن الأفريقي، وصراع نفوذ سعودي – إماراتي في شرق اليمن، تتشكل خريطة جديدة للصراع، لا تُدار فيها المواجهات على خطوط تماس مباشرة، بل عبر قواعد بعيدة، وتحالفات مرنة، وفصائل محلية تدفع ثمن ارتهانها لقرارات قوى إقليمية طامعة.
وفي هذه الخريطة، لم يعد اليمن مجرد ساحة حرب داخلية، بل حلقة مركزية في صراع يمتد من غزة إلى بربرة ومنها إلى صنعاء، ومن حضرموت إلى البحر الأحمر وباب المندب.