المصدر الأول لاخبار اليمن

دبي من جنون العظمة إلى الإفلاس

  تقرير فرانسيسكو كاريون * : وكالة الصحافة اليمنية في الأفق المذهل لناطحات السحاب، وبين البناءات التي لا زالت في طور البناء والطرقات المحيطة بها، يوجد نوع من الفشل الذي بدأ يتجلى للعلن. وفي كل مكان، تنتشر لافتات “للبيع” أو “للإيجار” وتعلق على واجهات زجاج ناطحات السحاب التي تخلو من الحياة. وفي ظل هذا الوضع، […]

 

تقرير فرانسيسكو كاريون * : وكالة الصحافة اليمنية

في الأفق المذهل لناطحات السحاب، وبين البناءات التي لا زالت في طور البناء والطرقات المحيطة بها، يوجد نوع من الفشل الذي بدأ يتجلى للعلن. وفي كل مكان، تنتشر لافتات “للبيع” أو “للإيجار” وتعلق على واجهات زجاج ناطحات السحاب التي تخلو من الحياة. وفي ظل هذا الوضع، خسرت دبي صورة “المدينة الذهبية” الواقعة في قلب الصحراء؛ بعد أن كانت تخطط للتحول في المستقبل إلى مدينة أبراج المراقبة الشاهقة والجزر الاصطناعية على شكل أشجار النخيل ومراكز التسوق ذات الأبعاد الفرعونية.

 

عموما، تعد دبي مدينة الشرطة الآلية، وسيارات الأجرة الطائرة، والوكلاء الذين يجوبون الشوارع على متن سيارات فاخرة من طراز بوجاتي وبورش أو بي أم دبليو. كما تجلت منذ سنوات في هذه المدينة مظاهر القوة.

وتعليقا على التغييرات التي طرأت على دبي، أشار المحلل في جامعة رايس بالتكساس، جيم كراني، إلى أن “دبي تعاني من الأخطاء التي ارتكبتها منذ أكثر من عقد من الزمن، خاصة عندما خاطر المشرفون على تطوير المدينة برهانات مريبة، من خلال استثمار الأموال المقترضة في مشاريع سخيفة ومكلفة للغاية”.

وتجدر الإشارة إلى أن كراني هو مؤلف كتاب “المدينة الذهبية، دبي وحلم الرأسمالية”، الذي تحدث عن البذخ المفرط في مدينة دبي، والذي تجلى من خلال بناء أكبر منتجعات التزلج على الجليد في العالم في مدينة تبلغ درجة حرارتها الدنيا 15 درجة.

في واقع الأمر، بدأت قصة انحدار دبي نحو الانهيار بالتجلي منذ نهاية القرن الماضي، عندما عملت إمارة أبوظبي-الإمارة المحافظة والمتواضعة ولكن المتأثرة بالبترودولارات- على إسعاف جارتها وأنقذتها من الوقوع في الإفلاس.

وقد أوشكت دبي في ذلك الوقت على الانهيار بسبب انفجار فقاعة الإسكان، وتمكنت من الخروج من هذه الأزمة بعد أن منحتها جارتها أبوظبي حوالي 20 مليار دولار؛ القيمة التي أبعدتها عن الهاوية لفترة من الزمن.

وفي تلك المناسبة، تعرضت دبي للإهانة، لكنها لم تغرق وواصلت الإمارة التي تحكمها عائلة آل مكتوم أعمالها التجارية. وبفضل مطارها، المقر العام لشركة الطيران الإماراتية المرموقة؛ وقطاع السياحة المزدهر نظرا لكون دبي من المدن الأكثر زيارة في العالم؛ وأيضا تجارتها الخارجية، تمكنت دبي من استعادة حيوتها وضمنت تواصل نموها، لكن، تهدد حالة الإفلاس الجديدة بجعل الإمارة تسقط من جديد.

في الأثناء، أكدت أرقام صادرة عن المركز المالي الكويتي أن مبيعات المشاريع العقارية الجديدة قد تراجعت بنسبة 46 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2018. كما تراجعت الأسعار في أسواق العقارات بنسبة 15 بالمائة منذ سنة 2014.

وفي الوقت الراهن، بدأت شوارع دبي تشعر بحالة الركود التي تشهدها الإمارة، التي تأوي على أراضيها 5.6 مليون شخص تتنوع جنسياتهم إلى حد كبير. وعلى وجه الخصوص، تقدر نسبة الإماراتيين من مجموع سكان دبي بحوالي 23 بالمائة فقط.

أما باقي السكان فهم من الهنود والباكستانيين والفلبينيين الذين يشكلون الجزء الأكبر من السكان الدوليين والمتنوعين. وتعد هذه المجموعة من اليد العاملة الأقل تأهيلا والتي تعيش في ظروف مريعة تقارنها منظمات حقوق الإنسان بالعبودية.

وفي هذا الصدد، أوضح الشاب المصري، عمر، الذي وجد مأوى في جغرافيا هذه المدينة الحديثة؛ أن “دبي مكان توجد فيه العديد من فرص العمل، لكن يجب العمل كثيرا لضمان عدم خسارة موطن شغلك”.

في هذا السياق، رفض العديد من المغتربين الإسبان الذين تواصلت معهم صحيفة “الموندو” الحديث عن أوضاعهم في الشغل في دبي، حتى عندما تم اقتراح عدم الكشف عن هوياتهم.

وتمثل هذه الأمثلة خير دليل على كيفية تضحية المغتربين بحرية التعبير-المحظورة بين ناطحات السحاب- من أجل التمتع بثروة ضئيلة مهددة على نحو متزايد. في الآن ذاته، لوحظ أنه تزايد في دبي عدد حالات الفصل من العمل واللجوء إلى إجراءات التقاضي العمالي، بالتزامن مع تزايد المهام المستحيلة في الإمارة وظهور علامات الفشل والضعف.

وفي هذا المعنى، أورد كراني أن “أبوظبي، التي يحكمها أبناء عم آل مكتوم والذين يسيطرون على 90 بالمائة من نفط الإمارات العربية المتحدة، جعلت دبي تخسر جزءا كبيرا من استقلالها الذاتي.

كما أُجبرت عائلة آل مكتوم على الخضوع لرقابة أشد بكثير من قبل حكومة اتحاد الإمارات، التي يقع مقرها في أبوظبي”.

من جانب آخر، تمثلت إحدى تبعات الانقاذ والحماية التي وفرتها أبوظبي لجارتها في فقدان دبي لخاصية “الحياد السياسي”. في هذا السياق، أوضح المحلل كراني أن “العامل الذي ساعد دبي على تحولها إلى مدينة تجارية هو استعدادها على العمل مع أي طرف. لكن، بسبب الضغوط المسلطة من قبل أبوظبي وواشنطن، أُجبرت دبي على إيقاف جزء كبير من تجارتها مع إيران”.

بشكل عام، تسببت حالة الركود والإفلاس التي تشهدها دبي في تراجع مستوى الترف والرفاهية. ويتمثل خير دليل على ذلك في تأجيل نسخة سنة 2018 من مهرجان دبي السينمائي، التي تواصل تنظيمها منذ 14 سنة على التوالي خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، وقد تم الإعلام عن ذلك بشكل مفاجئ منذ شهر نيسان/ أبريل الماضي.

وفي وقت لاحق، أكد لجنة تنظيم المهرجان أنه سيتم تنظيم المهرجان خلال مناسبتين من السنة القادمة. لكن، تراود الكثيرين شكوك حول كون هذا الركود الذي شهدته دورات المهرجان ليست إلا طريقا نحو اندثاره. كما أن هذا التأجيل ليس إلا علامة من علامات توجه المهرجان نحو الانهيار.

وبداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أعلنت السلطات عن تأجيل عملية توسيع مطار آل مكتوم الدولي الذي يعد الثاني في دبي، إلى أجل غير مسمى، وقد تم بناء هذا المطار خلال سنة 2013، وتسعى السلطات إلى دعم طاقة استيعابه لتصل إلى حوالي 200 مليون مسافر في السنة.

في ظل هذا الوضع، جعلت الصحافة العربية من التراجع البطيء لدبي موضوع الساعة، كما لم تتردد عن الحديث عن إغلاق الفنادق والحانات، وتخلف بعض الشركات العامة عن سداد الأجور، وعدم سداد الشيكات المتخلدة بذمة الإمارة.

ومن بين المواضيع الأخرى التي تحدثت عنها الصحافة العربية نذكر حالة الفراغ التي يشهدها سوق الذهب في دبي، وتراجع المبيعات في المحلات التجارية الكبرى على غرار دبي مول، الأكبر في العالم والذي يشكل رفقة برج خليفة الضخم أحد الأعمال المعمارية والهندسية الأعلى في العالم بارتفاع يصل إلى 828 مترا.

وفي هذا المحل التجاري الأضخم في العالم، والمكان الأول للتسوق في دبي، تم افتتاح محل لبيع أكلة “التاباس” الإسبانية إلى جانب فرع من محلات سان جينيز للشوكولاتة ذو الأصول المدريدية، لكن في الوقت الراهن، لا يوجد أي أثر لكلا المحلين.

في الأثناء، تراكمت الأرقام الحمراء وتعددت في ضواحي المدينة التي ينشر فيها الأمير الذي يحكمها، محمد بن راشد آل مكتوم، كتبا حول “السعادة والإيجابية”. كما أظهرت البيانات حول عدد التراخيص الممنوحة لفتح مشاريع جديدة وعدد المسافرين المارين عبر مطار دبي، علامات تدل على حالة من الركود والشلل.

ويضاف إلى هذه العلامات، حالة الانهيار التي شهدتها مجموعة الأبراج، المتخصصة في الاستثمار في رأس المال المغامر، في خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي. وقد كان مقره هذه المجموعة في دبي، وعززت في السابق تطلعات المدينة لتصبح المركز المالي للعالم.

في الوقت الراهن، ساعدت العديد من العوامل على غرار التحضيرات المكثفة لمعرض إكسبو الدولي 2020، والوعود بالقيام بالعديد من الإصلاحات، إلى جانب التخفيض في الضرائب، على إيقاف النزيف الذي تعاني منه الإمارة.

في هذا الصدد، أشار المحلل كراني إلى أن “المزايا التجارية التي تتمتع بها دبي نابعة في الأساس من انفتاحها على الخارج، والتسامح الديني والعرقي والحريات الاجتماعية التي تكفلها، وبمجرد تجريد المدينة من هذه الامتيازات، تفقد دبي أهميتها التجارية”.

وأضاف المحلل أن “نجاح دبي في مجالات الطيران، والسياحة، والتجارة الحرة، والتطوير العقاري، والتمويل عامل جعل باقي الإمارات تتبع نفس نموذجها لتحقيق نجاحات اقتصادية. تبعا لذلك، عملت جميع الإمارات في البلاد على تأسيس شركات الطيران الخاصة بها، فضلا عن بناء سلاسل من الفنادق والترويج إلى ثورة عقارية”.

………………………
* مراسل صحيفة الموندو في الشرق الأوسط، ومتحصل على العديد من الجوائز في عالم الصحافة.
المصدر: الموندو الإسبانية- ترجمة: noonpost

 

قد يعجبك ايضا