محمد الفائق/ وكالة الصحافة اليمنية//
لم يكن قصف قاعدة العديد الأميركية في قطر مجرد عملية عسكرية اعتيادية، بل منعطفًا استراتيجيًا قويًا صاغته القوات المسلحة الإيرانية بقصفها الصاروخي على قاعدة العديد الجوية، التي تعد من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم وأكثرها تسليحًا وتقدمًا تقنيًا.
يرى خبراء عسكريون بارزون أن استهداف قاعدة العديد الجوية، يؤكد حقيقة تغير المعادلات الأمنية والعسكرية في المنطقة، وانتقال الجمهورية الإسلامية الإيرانية من موقع القوة الصاعدة إلى موقع القوة المؤثرة الفاعلة القادرة على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة وفق رؤيتها الاستراتيجية، كما أنها تمثل نهاية عصر الهيمنة الأمريكية الأحادية على المنطقة، حيث أثبتت إيران من خلال هذه الضربة الدقيقة أنها تمتلك القدرة الفعلية على اختراق كل الأنظمة الدفاعية المتطورة التي تفخر بها القوات الأمريكية، وأنها قادرة على استهداف مصالح واشنطن في أكثر المواقع تحصيناً وأماناً.
قوة إقليمية تعيد صياغة المشهد الأمني
الخبراء يرون أيضًا أن إيران قد رسخت مكانتها كقوة إقليمية محورية، تفرض حضورها بقدرتها على الردع، متجاوزة بذلك الصورة المغلوطة التي لطالما روجتها القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، على أن إيران دولة مارقة أو مصدر لتهديد المنطقة.
مؤكدين أن أمريكا و “إسرائيل” بذلتا جهودا حثيثة لتبرير تدخلاتهما العسكرية المستمرة وتعزيز وجودهما المهيمن في المنطقة، الذي بات يشكل في الواقع عبئًا أمنيًا وسياسيًا هائلًا، بينما كانت إيران تعمل بصمت واجتهاد على بناء وتطوير قدراتها العسكرية الذاتية.
أثبتت الوقائع الميدانية أن إيران، بفضل بنيتها الدفاعية المتقدمة وقدراتها العسكرية المتطورة، قد شكلت سدًا منيعًا أمام المخططات العدائية الرامية إلى إضعافها أو تقسيمها.
كما تمكنت طهران من بناء ترسانة صاروخية دقيقة وبعيدة المدى، وتطوير قدرات جوية وبحرية متقدمة جدًا، إضافة إلى نسج شبكة واسعة وقوية من الحلفاء الإقليميين، مما جعلها قوة لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها أو تجاهلها في أي معادلة أمنية إقليمية أو دولية، وإن هذه القدرة الردعية لم تعد مجرد تهديدات لفظية، بل تجسدت في القدرة الفائقة على استهداف القواعد العسكرية الأمريكية الرئيسية، والتأكيد على أن أي اعتداء عليها ثمنه سيكون باهظًا جدًا.
انهيار أوهام الهيمنة
يؤكد مراقبون استراتيجيون أن محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل المتكررة للإطاحة بالنظام الإيراني عبر العدوان المستمر، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية الخانقة وغير المسبوقة، أو التهديدات العسكرية المباشرة والمتواصلة، قد باءت بالفشل الذريع، وكانت مجرد محاولات يائسة محكومة بالفشل؛ حيث أظهرت إيران صمودًا أسطوريًا لا في وجه هذه الضغوط الهائلة، بل تفوقت عليها في العديد من الجوانب، مما أدى إلى استنزاف هائل للموارد والجهود الأمريكية والإسرائيلية دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة.
المراقبون بينوا أن العقوبات لم تتمكن من شل الاقتصاد الإيراني بالكامل، ولم تنجح الضغوط في إحداث تغيير جذري في النظام السياسي، وأن مغامرة أمريكا المتهورة باستهداف المنشآت النووية الإيرانية عبر طائرات الشبح، التي يُفترض أنها تمثل قمة التكنولوجيا والقدرة على الاختراق، بمثابة دليل قاطع لا يقبل الجدل على العجز الأمريكي المريع في تحقيق أهدافها.
وسخر المراقبون من عجز الطائرات المتطورة في تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية الحصينة، ولم تتمكن من القضاء على البرنامج النووي الإيراني، الذي استمر في التطور والتقدم بوتيرة ثابتة ومذهلة، معلنًا بذلك الفشل الذريع لكل الجهود اليائسة الرامية إلى وقفه.
وأكدوا أن هذا الفشل ليس فقط دليلًا على قدرة الدفاعات الجوية الإيرانية، بل أيضا على مرونة وذكاء المهندسين والعلماء الإيرانيين في حماية منشآتهم وتطوير تقنياتهم بابتكار غير مسبوق، مما يجعل أي محاولة عسكرية ضدها مكلفة جدًا وغير مجدية على الإطلاق.
ونوهوا بأن صمود إيران أمام العدوان، واستنزافها للقوى المعتدية، خصوصا الاحتلال، هو شهادة راسخة على قوة إرادة الشعب الإيراني وفعالية قيادته في مواجهة التحديات الخارجية المعقدة، وتعرية كاملة للتهديدات الأمريكية والإسرائيلية الفارغة.
تراجع أمريكي وإخلاء القواعد
فيما أكدت مصادر دولية مطلعة أن مسارعة الولايات المتحدة لإخلاء بعض قواعدها العسكرية من المنطقة لم تكن مجرد إجراء وقائي عابر، بل كانت مؤشرًا واضحًا لا تخطئه عين على تراجع النفوذ الأمريكي المتآكل وتزايد إدراك واشنطن لخطورة استمرار وجودها العسكري المهيمن في المنطقة.
المصادر أشارت إلى أن التواجد الأمريكي الكثيف، الذي طالما روّجت له واشنطن على أنه ضمانة للأمن والاستقرار، أصبح عبئا أمنيًا ثقيلًا على الولايات المتحدة نفسها، ومصدرًا رئيسيًا للتوتر وعدم الاستقرار، وسببًا مباشرًا لنمو وتصاعد حركات وأنظمة مقاومة في المنطقة.
لافتة إلى أن هذا التراجع الأمريكي ليس سوى اعتراف ضمني بالواقع الجيوسياسي الجديد الذي تفرض فيه القوى الإقليمية، وعلى رأسها إيران، كلمتها وقدرتها على تحدي الهيمنة الأجنبية، وهو ما يفضح ضعف استراتيجيتهم الدفاعية والأمنية العقيمة.
يتجلى ذلك، في خطورة التواجد الأمريكي المهيمن على المنطقة وأنه لا يخدم مصالح شعوبها الحقيقية، بل يخدم أجندات غربية توسعية تسعى إلى استنزاف ثرواتها وإبقاء المنطقة في حالة دائمة من التبعية والصراع، بل أن التواجد الأمريكي هو السبب الجذري في حالة عدم الاستقرار الراهنة، وهو الذي يغذي الصراعات الداخلية ويشجع على التدخلات الأجنبية.
وهو ما يجب أن تدركه الدول العربية، وأنه حان الوقت أن تعي هذه الحقيقة المرة وأن تعمل بجدية على إنهاء التواجد الأمريكي الذي يمثل عقبة كبرى أمام تحقيق السيادة والاستقرار، ويكشف العجز الصريح للنموذج الأمني الأمريكي عن توفير الأمن الحقيقي والمستدام للمنطقة.
فرض الانسحاب
تكمن الأهمية الاستراتيجية لاستهداف قاعدة العديد، حتى بعد إخلاء جزء منها، في كونه تأكيد قوي من إيران على قدرتها الحقيقية على إجبار أمريكا على الرحيل من المنطقة تحت التهديد المباشر والفعال لصواريخ طهران الدقيقة والمدمرة.
مراقبون قالوا إن طهران أرادت أن ترسل رسالة لا لبس فيها مفادها أنه لا مكان آمن للقوات الأمريكية في المنطقة بأكملها إذا ما استمرت في سياساتها العدائية، وأن هذه القدرة ليست مجرد تهديدات لفظية، بل حقيقة واقعة على الأرض يمكن تنفيذها في أي وقت وبأي وسيلة، وأن هذا الاستهداف، حتى لو كان رمزيا في بعض جوانبه، يحمل دلالات عميقة تعني أن الوجود الأمريكي في المنطقة بات مكشوفًا وضعيفًا وهشًا أمام القدرات الإقليمية المتنامية، مما يمثل انتصارًا استراتيجيًا بارزًا للموقف الإيراني ويؤكد براعتها في حرب الإرادات.
المراقبون أكدوا مجددا أن الهجوم الإيراني على قاعدة العديد الأمريكية يؤكد أن إيران لا تتوانى عن استخدام قوتها لحماية مصالحها ومصالح المنطقة، وأنها مستعدة للمواجهة المباشرة مع القوى الكبرى إذا تطلب الأمر ذلك.
وهو ما يضع الكرة في ملعب الدول العربية والإسلامية الوازنة، التي يجب أن تدرك أن مصيرها مرهون بتحالفاتها وقراراتها السيادية المستقلة، وليس بالاعتماد على حماية خارجية ثبت أنها غير مجدية، بل وفاشلة في حماية نفسها أو حلفائها.
الرسالة المحورية للعرب