في زاوية مظلمة من مستشفى الشفاء بمدينة غزة ، وُلد محمد إبراهيم عدس كأي طفلٍ بريء، يحمل في عينيه بريق الحياة، لكنه حمل أيضاً في جسده الصغير جريمة الإبادة الجماعية وحرب التجويع المتعمد، وخذلان العالم.
خمسة أيام عاشها الطفل محمد إبراهيم عدس من الجوع والعطش والبكاء ، وفي اليوم الخامس توقف عن البكاء، ليس لأنه شبع، بل لأن قوته نفدت، عيناه الزائغتان حدقتا في الفراغ، وروحه تسأل لماذا حدث هذا ؟ لكن لم يجيبه أحد فالعالم فقد إنسانيته، وعجز عن إنقاذ طفل من الموت جوعاً ،و القانون الدولي نسيَ أطفال غزة، والإعلام حوَّل مأساتهم إلى أرقامٍ عابرة، والسياسيون تبادلوا الاتهامات بينما كانت أنفاس محمد تتبدد كغيمةٍ فوق أرضٍ لا ترحم.
محمد إبراهيم لم يكن حالةً فردية، بل واحدًا من عشرات الأطفال الذين ماتوا بسبب سوء التغذية في غزة، بينما 650 ألف طفلٍ آخر يواجهون المصير نفسه .
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت تسجيل 14 حالات وفاة جديدة في مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ24 ساعة الماضية نتيجة المجاعة وسوء التغذية، من بينهم طفلان أنهكهما الجوع.
وقالت الوزارة في بيان: إن العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية ارتفع إلى 147 حالة وفاة، من بينهم 88 طفلًا.
وأمس الأحد حذر مدير مستشفى الأطفال في مجمع ناصر الطبي، الدكتور أحمد الفرا، من أن أرقام شهداء التجويع في قطاع غزة سترتفع خصوصا في فئة الأطفال، ما لم يتم إدخال المواد الغذائية وحليب الأطفال بأقصى سرعة.
وقال إن نحو مليون طفل مهددون بسبب الجوع وسوء التغذية، مشيرًا إلى أن الأطفال الموجودين في قسم التغذية بمجمع ناصر الطبي تحولت أجسامهم إلى عظام يكسوها الجلد، بعد أن فقدوا العضلات والنسيج الشحمي تحت الجلد.
وأكد أن هناك مليون مواطن في منطقة محافظة خان يونس جنوبي القطاع جلهم يعانون من سوء التغذية بدرجات متفاوتة، لكن أخطر الحالات هي في أوساط الأطفال بسبب عدم توفر الحليب.
وقال الدكتور الفرا إن الأمهات استخدمن المحليات والماء وبعضهن تضع شوربة عدس في رضاعة أطفال لا تتجاوز أعمارهم شهرين و3 أشهر، وهذا لا يتوافق مع بروتوكولات التغذية على المستوى العالمي.
ومنذ 2 مارس الماضي، تغلق “إسرائيل” معابر غزة وتمنع إدخال البضائع والمساعدات بتاتا؛ ما أدى إلى تفشي المجاعة بشكل غير مسبوق في القطاع، والتي تفاقمت في الأسابيع الأخيرة.