بعد 56 عاماً على جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك في 21 أغسطس 1969، لا يزال المخطط الصهيوني لتهويد القدس وتغيير هويتها الإسلامية يتواصل بأشكال مختلفة، حيث لم تنطفئ شرارة الحقد التي أشعلها المتطرف الأسترالي الجنسية مايكل دينيس روهان.
وبدلاً من ذلك، تصاعدت وتيرة الانتهاكات والمحاولات الإسرائيلية لفرض سيطرتها على الأقصى، عبر مخططات ممنهجة تهدف إلى محو هويته الإسلامية وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.
وفقاً للباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، فإن جماعات الهيكل المتطرفة والحكومة الإسرائيلية تسيران في مسار متعرج لتحقيق هدفها النهائي، وهو “الإحلال الديني” بإزالة المسجد الأقصى المبارك بالكامل وتأسيس الهيكل المزعوم مكانه.
وفي سبيل ذلك، تبنت هذه الجماعات أهدافاً مرحلية تسلسلية: التقسيم الزماني، والتقسيم المكاني، ثم التأسيس المعنوي للهيكل عبر فرض الطقوس التوراتية.
جريمة الإحراق: بداية المخطط
في 21 أغسطس 1969، استيقظ الفلسطينيون على كارثة حقيقية، حيث اقتحم المتطرف مايكل دينيس روهان المسجد الأقصى وأشعل النيران عمداً في جناحه الشرقي. أتى الحريق على أجزاء واسعة من المصلى القبلي، بما في ذلك منبر صلاح الدين الأيوبي، والجدران، والزخارف النادرة، والسجاد، والمصاحف.
بلغت المساحة المحترقة أكثر من 1500 متر مربع، أي ما يزيد عن ثلث مساحة المصلى الإجمالية. وعلى الرغم من محاولات سلطات الكيان عرقلة جهود الإطفاء بقطع المياه وتأخير سياراتها، هرع الفلسطينيون من مختلف المدن لإخماد الحريق وإنقاذ ما تبقى من المسجد.
كانت هذه الجريمة مجرد حلقة في سلسلة من الإجراءات والسياسات الإسرائيلية التي بدأت منذ عام 1948، بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس، وتواصلت عبر مذبحة الأقصى الأولى عام 1990، وهبة النفق عام 1996، وانتفاضة الأقصى عام 2000.
الأهداف المرحلية: تقسيم وتهويد
-
التقسيم الزماني
منذ عام 2003، بدأت سلطات الكيان بالسماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى، وفي عام 2006 تحولت الاقتحامات إلى جماعية. وفي عام 2008، تم فرض أوقات اقتحام يومية تمتد لخمس ساعات من الأحد إلى الخميس.
كان هذا جزءاً من مخطط أوسع للتقسيم الزماني التام، حيث قدمت جماعات الهيكل في عامي 2012 و2013 مشاريع قوانين لتقسيم ساعات اليوم مناصفة بين المسلمين واليهود، وتخصيص الأقصى لليهود بشكل كامل في أعيادهم.
لكن هذه المحاولات اصطدمت بمقاومة شعبية عنيفة، أبرزها هبة القدس في عام 2015 التي أجبرت الكيان على التراجع.
كما فشلت محاولة فرض البوابات الإلكترونية والكاميرات في عام 2017، مما أدى إلى تراجع آخر للاحتلال وتفكيكه لهذه الأجهزة. هذه الإخفاقات دفعت جماعات الهيكل إلى التخلي عن فكرة التقسيم الزماني كهدف أساسي، والتركيز على مخطط التقسيم المكاني.
-
التقسيم المكاني
بدأ مخطط التقسيم المكاني باستهداف الساحة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، وتحديداً المنطقة بين المصلى القبلي وباب المغاربة. لكن يقظة المقدسيين وفعالياتهم عند مصطبة أبي بكر الصديق أحبطت هذا المخطط.
بعد ذلك، اتجهت الأنظار إلى الساحة الشرقية للأقصى، وتحديداً محيط باب الرحمة، من خلال قرار قضائي بإغلاق مصلى باب الرحمة عام 2003، ومحاولة تحويل الساحة إلى منطقة مهجورة.
وفي عام 2019، أعلنت سلطات الكيان استحواذها على المصلى، مما أشعل هبة باب الرحمة التي نجحت في إعادة فتح المصلى وتأكيد كونه جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك.
اليوم، يركز الكيان على جبهة جديدة: التسوية الجنوبية الغربية التي لم تُرمم منذ 94 عاماً، والتي يسبب تآكلها تصدعات متواصلة. يعتبر الباحث زياد ابحيص أن هذه الجبهة أولوية للدفاع عن الأقصى.
-
التأسيس المعنوي للهيكل