انفجرت فضيحة “الإعاشة بالدولار” التي هزت مؤخراً مناطق سيطرة حكومة عدن الموالية لتحالف العدوان، لتكشف عن تناقضات عميقة في سياساتها المالية، وتضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقية جهودها الإصلاحية. القضية التي كشف عنها الصحفي فتحي بن لزرق في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، أشارت إلى تحويل مبلغ ضخم يقدر بـ 11 مليون دولار إلى حسابات مسؤولين حكوميين يقيمون في الخارج، تحت مسمى “الإعاشة الشهرية”.
هذا الكشف أثار موجة غضب واسعة، خاصة مع المعاناة الاقتصادية التي يعيشها اليمنيون جراء انقطاع الرواتب وتدهور قيمة العملة.
مصداقية على المحك
الإجراءات الإصلاحية التي تبنتها الحكومة الموالية للتحالف، والتي جاءت بتوجيهات من جهات خارجية مثل الخزانة الأمريكية والعاصمة السعودية الرياض، بهدف تقويض حكومة صنعاء، تواجه اليوم اختباراً حقيقياً. ففضيحة “الإعاشة بالدولار” تضع هذه الإصلاحات في مرمى الشك، وتُظهر أن الهدف المعلن من ورائها لا يتوافق مع ممارساتها الفعلية. فكيف يمكن تفسير سياسات تقشف صارمة على المواطنين، بينما تتدفق الأموال بسخاء على مسؤولين في الخارج تحت مسمى “الإعاشة”؟ هذا التناقض الجذري يفرغ هذه الإصلاحات من أي مصداقية، ويجعلها تبدو كأداة سياسية أكثر من كونها خطة إنقاذ اقتصادي.
تأتي هذه الفضيحة في وقت أدعت فيه حكومة العليمي،إجراءات ضبط سعر صرف العملة والحد من المضاربة في سوق الصرافة، في محاولة لإظهار جدية في الإصلاح الاقتصادي. إلا أن هذا الكشف عن هدر مالي كبير لصالح مسؤولين في الخارج، ينسف أي ادعاءات بالتقشف أو الإصلاح. فقد أكد الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي في تصريح لمرصد “بقش” الاقتصادي، أن ما يجري يمثل “ضربة مباشرة” لجهود البنك المركزي، ويقوض الثقة في النظام المالي ككل.
أرقام صادمة
إن الأرقام المرتبطة بالقضية تكشف عن مفارقات مؤلمة. فمبلغ الـ 11 مليون دولار، الذي أشار إليه بن لزرق كـ”دفعة أولى”، يعادل تقريباً 17.9 مليار ريال يمني بسعر صرف 1630 ريالاً للدولار، وهو مبلغ يكفي لدفع رواتب أكثر من 98 ألف معلم لمدة ثلاثة أشهر، أو عشرات الآلاف من الجنود الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور. هذه المقارنة، التي أوردها لوسائل إعلامية محلية، توضح حجم الهدر، وتثير تساؤلات حول الأولويات الحقيقية للحكومة.
موقف رسمي مراوغ
في مواجهة الغضب الشعبي، حاولت حكومة التحالف احتواء الأزمة، حيث نفت مصادر رسمية، وفقا لتقارير إعلامية، صرف “مبالغ ضخمة”، واعتبرت ما يُتداول مجرد “شائعات مضللة”. ورغم الإعلان عن تشكيل لجنة لمراجعة الكشوفات، إلا أن عدم الإعلان عن وقف صرف المخصصات بشكل كامل جعل الموقف الرسمي يبدو مراوغاً وغير جاد في معالجة القضية. هذه المراوغة تزيد من حالة الإحباط الشعبي، وتؤكد أن الأزمة ليست مالية فقط، بل هي أزمة ثقة ومصداقية.
صوت الشارع لا يمكن إسكاته
إن أصداء هذه الفضيحة وصلت إلى المواطن العادي، الذي يعيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة. فالثورة التي اثارتها الفضيحة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعكس حجم الإحباط. يتساءل هؤلاء: لماذا تُصرف ملايين الدولارات لمسؤولين في الخارج، بينما الداخل يغرق في العجز والجوع؟ هذا السؤال، الذي يحمل في طياته الكثير من الغضب واليأس، يضع حكومة التحالف في موقف حرج، ويجعل من أي حديث عن الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه هذه الحكومة ليس إلا مجرد حبر على ورق.