العدوان الإسرائيلي على مقر حماس في الدوحة يثير موجة رفض وغضب إقليمي ودولي
الدوحة | وكالة الصحافة اليمنية
جاءت الغارات الاسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة، في توقيتٍ حرجٍ، حيث كان الوفد المفاوض لحركة المقاومة الإسلامية حماس يدرس المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار. هذا التوقيت لم يكن صدفة، بل رسالة واضحة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي: بأنها لا تؤمن بالحلول السلمية، وأنها تفضل إدارة الصراع بالعنف.
هذه العملية، كما وصفتها سلسلة من بيانات التنديد والاستنكار، لم تستهدف قيادات المقاومة فحسب، وإنما “اغتيالاً للطاولة التفاوضية ذاتها”، مؤكدة أن الدوحة بهذا الهجوم لم تعد منصة للحوار، وإنما تحولت إلى جبهة مفتوحة للصراع.
مواقف أولية
أثارت الغارة العدواني على الدوحة موجة عارمة من الاستنكار على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، مؤكدة على أن هذا الفعل يمثل خطرًا يهدد استقرار المنطقة برمتها، وتحول الهجوم من مجرد عملية عسكرية إلى قضية دولية تُجمع على رفضها عواصم ومؤسسات ومنظمات من جميع أنحاء العالم.
كانت سلطات صنعاء من أوائل المنددين بالهجوم، فقد أدان رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط، العدوان الصهيوني الغادر على مقر وفد التفاوض الفلسطيني في العاصمة القطرية الدوحة، مؤكدًا أن ما جرى يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن لا سلام ولا استقرار في المنطقة مع وجود الكيان الصهيوني السرطاني.
وقال المشاط: “إن الاعتداء على وفد فلسطيني في بلد عربي وسيادة وطن مستقل ناقوس خطر يدق على مسامع كل الحكومات العربية والإسلامية، فاليوم كانت قطر، وغدًا ستكون أي عاصمة أخرى إن لم تتوحد الأمة لمواجهة هذا العدو المتغطرس”. وأضاف “إن ما تجرأ عليه الصهاينة لم يكن ليحدث لولا الغطاء الأميركي، ولولا ضوء أخضر من إدارة الرئيس ترمب، بل ربما كان بترتيب مباشر منها، ومن هنا فإن أميركا شريك كامل في الجريمة، بل هي راعيتها وحاميتها”.
وتطرق المشاط إلى أن العدوان على الدوحة لن يضعف المقاومة بل سيزيدها إصرارًا، مشيرًا بالقول: لن ينالوا من عزيمة حماس ولا من صلابة الفصائل الفلسطينية، بل سيخرجون من كل جريمة بمقاومة أصلب وعزيمة أشد، مخاظبًا الأمة الإسلامية: “لا تثقوا بأميركا، فهي خادمة للصهيونية وغطاؤها لكل عدوان، ولا خيار لنا جميعًا إلا الوحدة في مواجهة هذا الخطر الداهم”.
وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة صنعاء اعتبرت العدوان الصهيوني انتهاك سافر لسيادة قطر ولميثاق الأمم المتحدة وكافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، مؤكدة أن العدوان الآثم على قطر يكشف مجددا العربدة الصهيونية التي تجاوزت كل الحدود والخطوط الحمراء.
وأشارت الخارجية اليمنية إلى أن الكيان الصهيوني يشكل بحق تهديدًا للمنطقة والعالم والبشرية جمعاء، لافتة إلى أن هذه الجريمة النكراء تؤكد أن الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني لم ولن تكون سبيلا لتحقيق السلام أو ضمان الاستقرار.
إدانات عربية ودولية متعددة
شهدت الساحة العربية إجماعًا في الإدانة، حيث استنكرت كل من العراق والكويت والسعودية وسلطنة عمان وولبنان ومصر هذا العمل، مؤكدةً على تضامنها مع دولة قطر ورفضها لانتهاك سيادتها. البيانات العربية أكدت أنّ هذه الجريمة إنما تثبت خبث ودناءة الكيان الصهيوني، الذي يكشف للعالم مستوى جديد من إجرامه وضربه بالحائط كل القوانين والمواثيق الدولية، وعدم احترامه لسيادة الدول، والإمعان في انتهاكها واستباحتها بدعم أميركي مفتوح كيفما ومتى شاء دون أي وازع أو رادع.
ودعت البيانات، الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف المجازر اليومية بحق الفلسطينيين، وقطع أي علاقة مع “الكيان الغاصب”، والضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها غير المحدود له، فيما اتفقت العراق وقطر على عقد اجتماع عربي وإسلامي لمناقشة العدوان الإسرائيلي. كما امتدت الإدانات إلى خارج الإطار العربي. وأدانت إيران وتركيا الهجوم.
وأدان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العدوان الإسرائيلي على قطر بشدة، معتبرًا استهداف قادة المقاومة الفلسطينية عمل إرهابي، مؤكدًا أن الكيان الإسرائيلي لا يعرف حدوداً للجريمة والإرهاب،وأن الكيان يدمر كل محاولة لتحقيق الدبلوماسية.
أما على المستوى الأممي والدولي، فقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة الضربات واعتبرها انتهاكًا صارخًا لسيادة قطر، في حين ندد الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، بالهجوم محذرًا من مزيد من التصعيد، فيما أعربت كوبا عن استنكارها الشديد، مؤكدة أنه “تنفيذ للإعدام خارج نطاق القانون”.
فصائل المقاومة والمحللين
جاءت ردود الأفعال من فصائل المقاومة لتؤكد وحدة الموقف، فقد أدانت حركة النجباء العراقية الهجوم ووصفت “الهمجية الصهيونية الأمريكية” بأنها تثبت أن القوة هي الحل الوحيد، محذرةً الدول المطبعة من مصير مماثل. وبدوره، أدان حزب الله الجريمة، مؤكدًا أنها “استباحة” لسيادة قطر. من جانبها، أكدت حركة حماس عبر مسؤوليها في إيران وقطر أن الهجوم لم يكن ليحدث لولا “الضوء الأخضر الأميركي”، وأن هذا العدوان لم ينل من إرادة المقاومة بل زادها إصرارًا.
من جهته، وصف الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة، الانفجارات التي هزّت حي كتارا في قلب الدوحة بأنه “تطور دراماتيكي غير مسبوق ينقل الحرب على غزة إلى مستوى إقليمي مفتوح”.
وأكدت عدة مصادر أن الانفجارات استهدفت مباشرة قيادات حركة حماس، وخصوصًا الوفد المفاوض الذي كان يناقش مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار.
وأشار عفيفة في تصريح لوكالة “شهاب”، إلى أن غرفة العمليات المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، بقيادة رون ديرمر، قد نفذت العملية بشكل محسوب، ما يعكس “اغتيال الطاولة التفاوضية ذاتها” بدلاً من مسار تفاوضي.
وأضاف، أن الحدث يحمل خطورة على ثلاثة مستويات: المستوى السياسي، حيث استهداف الوفد خلال مناقشة المبادرة الأميركية ينسف أي أفق تفاوضي، ويؤكد نية العدو إدارة الصراع بالعنف لا بالحلول.
أما على المستوى الإقليمي، فإن تنفيذ العملية في قطر، الدولة الوسيطة، يمثل تحديًا لسيادتها ودورها وقد يفاقم أزمة دبلوماسية. وعلى المستوى الاستراتيجي، أكد أن أي اغتيال لقيادات الصف الأول خارج فلسطين قد يفتح فصلاً جديدًا من الحرب ويهدد استقرار المنطقة بأسرها. وختم عفيفة بالقول إن “الدوحة لم تعد مجرد مسرح للحوار، بل تحولت إلى جبهة”، مؤكدًا أن الحادث قد يسجل نقطة انعطاف في مسار الحرب على غزة وأمن المنطقة بشكل عام.
من منظور مثير للجدل
تثير الضربة الجوية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة تساؤلات جدية حول فعالية منظومات الدفاع الجوي المتقدمة في المنطقة، خصوصًا تلك التي تعتمد على التكنولوجيا الأميركية. وفي سياق تحليلي، نقلت وسائل إعلام عبرية، من بينها القناة 14، رؤية مثيرة للاهتمام حول هذه العملية.
وفي تحليلها، ذكرت القناة أن قطر تمتلك منظومة دفاع جوي “قوية وكثيفة” تشمل صواريخ “باتريوت 3” ومنظومة “NASAMS”، بالإضافة إلى منظومات أخرى تشكل دفاعًا متعدد الطبقات. ومع ذلك، نجحت الغارة في اختراق هذا الدفاع، ما يطرح التساؤل: كيف حدث ذلك؟ وهل لأميركا التي تدير منظومة الدفاعات الجوية القطرية يد في تعطيلها؟
وتجيب القناة عن ذلك من خلال تطرقها إلى نقطة حساسة تتعلق بطريقة تشغيل هذه المنظومات، مشيرة إلى أنها “تُشغَّل، على الأقل جزئيًا، بواسطة أطقم أميركية”. وفي سياق تكهني، طرحت القناة تساؤلاً حول إمكانية قيام جهة ما “عمدًا بإيقاف منظومة الدفاع الجوي القطرية، أو أجزاء حرجة منها”، لضمان نجاح الهجوم.
وعلى الرغم من وصفها هذا الاحتمال بـ “الضعيف”، إلا أن القناة أضافت أن “احتمال ضربة إسرائيلية جوية في الدوحة كان ضعيفًا أيضًا”، مؤكدة أنه “في هذا الواقع المجنون لا يمكن استبعاد أي شيء”. هذا التحليل يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة التنسيق والتحالفات الأمنية في المنطقة، ودور الأطراف الدولية في إدارة الصراع.
قناة كان العبرية، من جهتها، أكدت أن رئيس الأركان، ورئيس الموساد، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئيس مجلس الأمن القومي أعربوا عن تحفظات بشأن اغتيال قادة حمـاس في قطر “في هذا التوقيت”، وذلك على خلفية الخطة الجديدة للإفراج عن جميع الأسرى. مشيرة إلى أن الاعتراض لم يكن جوهريًا بل متعلقًا بالتوقيت، غير أن هذه الأنباء لم تظهر إلا بعد فشل العملية، وهو ربما نوع من الهروب الإسرائيلي المعتاد من الفشل بحيل واهية.
وأشارت إلى أن نتنياهو وكاتس قررا دعم تنفيذ العملية بسبب الفرصة العملياتية والإشارة الإيجابية التي وصلت من الولايات المتحدة.
خلاصة القول:
مثلت الضربة الصهيونية التي استهدفت اجتماع وفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العاصمة القطرية الدوحة لحظة فارقة كشفت عن الأبعاد المتجذرة للصراع في المنطقة، وعرّت زيف المساعي الدبلوماسية التي تضعها الولايات المتحدة كواجهة. لقد تحول قلب الدوحة، الذي كان مسرحًا للوساطة الهادئة، إلى ساحة مواجهة، مؤكدًا أن لغة القوة ما زالت هي اللغة الوحيدة التي يتقنها الكيان الإسرائيلي.
الهجوم لم يكن سوى مؤشر على أن الكيان الإسرائيلي لا يكترث بالخطوط الحمراء، وأن لغة الحوار لن تنجح مع كيان لا يؤمن إلا بلغة القوة. ففي الوقت الذي كان العالم يترقب فيه نتائج المفاوضات، كان الاحتلال يجهز لضربة تقضي على أي أمل في السلام، وتؤكد أن الطريق الوحيد لردع هذا العدوان هو المزيد من المقاومة.