المصدر الأول لاخبار اليمن

عبر ركام “طيبة”.. غزة تروي قصة إبادة ممنهجة في مواجهة صمود أسطوري!

خاص | وكالة الصحافة اليمنية

 

من بين ركام الدمار الشامل الذي يلف قطاع غزة، تبرز قصص إنسانية عميقة، تحكي عن فداحة الألم ومرارة الفقدان، وفي الوقت نفسه عن إرادة لا تنكسر للصمود. من بين تلك القصص، تتجسد حكاية “أم الأيتام”، سيدة غزاوية تحولت حياتها إلى كابوس بفعل التدمير الممنهج الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي.

“بيحكوا لنا روحوا على الجنوب، طيب وين نروح على الجنوب؟” بهذه الكلمات المليئة بالوجع واليأس، تصف أم الأيتام مشهد التهجير القسري الذي عاشته. كانت كلمات السيدة ترجمة حية لسياسات سلطات الاحتلال التي تهدف إلى إخلاء المدنيين من منازلهم بالقوة، وإجبارهم على النزوح إلى مناطق أخرى، لتجد نفسها في مواجهة واقع قاسٍ، حيث لا مأوى ولا أمان.

تتواصل مأساة هذه الأم مع سردها لقصة تدمير بيتها: “كنا قاعدين هَينا يعني راضيين. اجا يعني هدوا علينا الخيمة وهدوا البرج وهدوا الدنيا دمار شامل في المنطقة، ما ضلش لنا حدا، ما ضلش لنا شيء في البلد”. هذه العبارات، التي تحمل في طياتها مرارة الفقدان، تلخص حجم الكارثة التي حلت بالمنطقة. لم يقتصر الأمر على إزالة الخيام أو الأبراج السكنية، بل تعدى ذلك إلى محو كل ما يربط الناس بأرضهم وذكرياتهم، وتحويلها إلى ركام.

 

جريمة الحرب المزدوجة وتصاعد التدمير

تتجلى في شهادة أم الأيتام ملامح جرائم حرب متعددة، أبرزها التهجير القسري والتدمير الممنهج للمساكن، التي لم تستثن حتى الأبراج السكنية التي تُعدّ رمزاً للحياة المدنية. يُضاف إلى ذلك، جريمة التجويع التي يمارسها الاحتلال، والتي تحرم السكان من أبسط مقومات الحياة، مما يجعلهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما البقاء في مناطق تتعرض للقصف المستمر، أو النزوح إلى مناطق أخرى لا توفر لهم أي حماية أو مساعدة.

في سياق حكاية أم الأيتام، تتكشف فصول مأساوية جديدة في قطاع غزة مع استمرار حملات جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث بات استهداف الأبراج السكنية سياسة متبعة، تلقي بظلالها القاتمة على حياة السكان والنازحين. يمثل برج طيبة، بأبراجه الـ 16 المطلة على ميناء غزة، نموذجاً صارخاً للدمار والمعاناة الإنسانية المتفاقمة، وهو حال بقية الأبراج السكنية التي تحولت إلى أهداف ممنهجة.

يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث فقد أكثر من 50,000 شخص مأواهم خلال أقل من أسبوع، نتيجة لعمليات التدمير الواسع النطاق التي شملت 12 برجاً سكنياً، وأكثر من 120 مبنى سكنياً، بالإضافة إلى 600 خيمة كانت تؤوي عائلات نازحة. تتزايد المخاوف مع اقتراب فصل الشتاء، حيث يفتقر النازحون إلى المأوى المناسب والاحتياجات الأساسية، وتتفاقم معاناتهم مع انعدام مصادر الدخل وصعوبة إيجاد أماكن آمنة.

 

العقاب بالتهجير الجماعي

يُشير المراقبون والكتاب إلى أن استهداف الأبراج السكنية ليس سياسة طارئة، بل هو نهج قديم يوظفه الاحتلال الإسرائيلي ضمن أدوات الضغط العسكري والسياسي على المقاومة الفلسطينية، عبر إلحاق الأذى بالسكان. هذه الاستراتيجية تهدف إلى العقاب الجماعي، والضغط على المقاومة، وتحويل العمران المدني إلى ركام بهدف تشريد الفلسطينيين، وهي سياسة تندرج ضمن خطة شاملة لإعادة احتلال مدينة غزة، وفقاً لبعض الصحف الإسرائيلية.

وصرح وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس بأن استهداف الأبراج هو جزء من استراتيجية أوسع، قائلاً: “عندما ينفتح الباب لن يغلق وستتزايد عملياتنا تدريجيا حتى تقبل (حركة المقاومة الاسلامية) حماس شروطنا لإنهاء الحرب”. يرى الخبراء أن هذا القصف ليس سوى ذريعة لتبرير تدمير كل شيء في غزة، بهدف إجبار السكان على النزوح تمهيداً لتهجيرهم، وهو ما يتسق مع رؤى سياسية تدفع باتجاه حسم ديموغرافي عبر التهجير القسري.

 

إدانات دولية وتواطؤ أمريكي

في سياق متصل، صرح عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي كريس فان هولين وجيف ميركلي بأن إسرائيل تتبع خطة ممنهجة للتطهير العرقي في غزة، واتهموا الولايات المتحدة بالتواطؤ. وأشارا إلى حملة ممنهجة لخنق المساعدات الإنسانية، واصفين ذلك باستخدام الغذاء كسلاح في الحرب.

حركة حماس أدانت صمت وعجز مؤسسات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي، أمام هذه الجرائم، متهمة الإدارة الأميركية بالتواطؤ. وصرحت الحركة بأن تفاخر نتنياهو بتدمير الأبراج السكنية هو صورة من أبشع صور السادية والإجرام.

 

ما وراء الحدث

يخشى المراقبون من تفاقم الكارثة الإنسانية وزيادة حجمها في حال التمادي المحتمل لهذه السياسات، نتيجة لغياب الردع الحاسم للكيان الإسرائيلي. فالأهداف المعلنة، بما في ذلك خطط توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وتصريحات سياسية تدعو لضمها، تشير إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

يؤكد المحللون أن ما يجري في غزة يمثل جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان، تأتي ضمن عملية محو ممنهج لقطاع غزة وسكانه في ظل صمت دولي غير مبرر. ومع استمرار الدعم الأمريكي للاحتلال، تبقى الحلول العملية لوقف العدوان غائبة، مما ينذر بتطورات خطيرة وحروب أوسع تهدد المنطقة بأسرها.

وفي محاولة لفهم أبعاد الكارثة، أجمع الخبراء والمحللون على أن ما يجري في قطاع غزة ليس مجرد عمل عسكري عابر، بل هو جزء من مخطط أوسع يهدف إلى تغيير وجه المنطقة. يرى أحد المحللين أن الهدف الحقيقي للحرب هو إعادة الاستيطان وطرد الفلسطينيين لقلب الميزان الديموغرافي، مؤكداً أن الدعم الأمريكي هو ما يعيق أي تحرك دولي حقيقي.

من جانب، يرى كتاب ومحللون صحفيون، من على مختلف وسائل الاعلام الإقليمية والدولية، أن قصف الأبراج السكنية قرار سياسي محض، يهدف إلى فرض الاقتلاع القسري والتهجير الجماعي، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الرأي العام العالمي قد بدأ يشهد تحولاً لافتاً في موقفه تجاه العدوان.

ويصف بعضهم، ولا سيما المهتمون بشأن المنطقة، ما يحدث بأنه “نكبة جديدة” وحرب إبادة شاملة، مؤكداً أن غزة لم تعد تنتظر كارثة محتملة، بل هي تعيشها بكل تفاصيلها القاسية.

وفي تحليلات متصلة، اعتبر محللون سياسيون، في لقاءات متلفزة، أن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي عن “الجحيم” ليست سوى امتداد لسياسة الإبادة والتدمير الشامل، وتهدف إلى احتلال غزة وضم الضفة الغربية في إطار مخطط لتصفية القضية الفلسطينية.

بدورهم، يؤكد نشطاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي أن قصف الأبراج يمثل جريمة تطهير عرقي، مشدداً على أن ما يجري هو عملية محو ممنهج لغزة وسكانها في ظل صمت دولي، فيما يرى محلل آخر أن الهدف النهائي من هذا المخطط هو “تنظيف القطاع” من المباني والسكان تمهيداً لوضعه تحت الهيمنة الأمريكية.

 

في الختام

قصة “أم الأيتام” ليست سوى شهادة حية على سياسات الإبادة الجماعية التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تعكس معاناة آلاف العائلات التي فقدت كل شيء، من منازل وأحباب وذكريات، ولم يبقَ لها سوى الألم والأمل في مستقبل مجهول.

وتشير التقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية إلى أن الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي ينفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أدى إلى تدمير مئات الآلاف من الوحدات السكنية في قطاع غزة، مما جعل نسبة كبيرة من السكان بلا مأوى. وتؤكد هذه التقارير أن هذه الهجمات لا تستهدف فقط المباني، بل تسعى إلى إحداث دمار شامل في البنية التحتية والمرافق الحيوية، بهدف جعل القطاع غير صالح للسكن.

في خضم هذا المشهد المأساوي، تظل قصة “أم الأيتام” تذكيراً بأن الحرب أورثت قصص إنسانية لن تمحي من ذاكرة الإنسانية، بل وتعكس عمق المعاناة والقدرة الفائقة على الصمود في وجه الظلم.

 

قد يعجبك ايضا