أثارت التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والتي أشار فيها إلى أن كل من يمتلك هاتفاً محمولاً “يحمل قطعة من إسرائيل بين يديه”، جملة من التساؤلات حول الأبعاد الحقيقية لهذه الكلمات وما تحمله من رسائل سياسية وأمنية تتجاوز مجرد التفاخر بالصناعة التكنولوجية. هذه التصريحات، التي جاءت في سياق لقاء مع وفد من الكونغرس الأمريكي، تكشف عن استراتيجية واضحة تهدف إلى توجيه رسائل متعددة الأطراف، خاصة بعد قمة الدوحة الأخيرة التي شهدت موقفاً موحداً من بعض الدول العربية والإسلامية ضد ممارسات الاحتلال.
ما وراء الكلمات
في الظاهر، تبدو تصريحات نتنياهو مجرد استعراض للقوة الاقتصادية والتكنولوجية لسلطات الاحتلال، وتأكيد على أن “إسهامات إسرائيل لخير البشرية جمعاء” تتجاوز الخلافات السياسية. لكن بالنظر إلى السياق الدقيق، يمكن قراءة هذه الكلمات كتهديد علني موجه لقادة الأمة العربية والإسلامية، وتحديداً أولئك الذين خرجوا بمواقف رافضة لسياسات الاحتلال من قمة الدوحة، رغم أنها لم تتجاوز كونها كلمات جوفاء لا واقع لها، ولن يكون.
عندما يقول نتنياهو إن الهواتف المحمولة والأدوية والمواد الغذائية مصدرها سلطات الاحتلال، فإنه لا يتحدث عن التبادل التجاري فقط، بل يلمح إلى مستوى من الاعتمادية يجعل من الصعب على أي دولة، بما في ذلك الدول العربية، اتخاذ موقف مستقل تماماً. هذا النوع من التهديد ليس مباشراً، ولكنه يضع القادة أمام حقيقة أن حياتهم اليومية، وحتى أمنهم القومي، قد تكون مرتبطة بشكل أو بآخر بمنتجات تكنولوجية ينتجها الاحتلال. كما أن إشارة سفير الاحتلال لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر إلى “مفاجآت” تجعل “عملية البيجر بسيطة” تُعد تأكيداً على أن أدوات السيطرة التكنولوجية المستقبلية ستكون أكثر تعقيدًا وتأثيراً.
لم يكتف نتنياهو بالتفاخر بالإنتاج المدني، بل ربط ذلك مباشرة بالجانب العسكري والاستخباراتي. إشارته إلى أن “جزءا كبيرا من معلوماتكم الاستخباراتية مصدره إسرائيل” وإلى أنظمة الأسلحة المشتركة مع الولايات المتحدة، تحمل في طياتها رسالة مزدوجة. أولاً، هي محاولة لتأكيد أهمية الاحتلال كشريك استراتيجي للولايات المتحدة لا يمكن الاستغناء عنه. ثانياً، هي تذكير ضمني بأن القدرات التكنولوجية التي تُستخدم في الحياة المدنية يمكن تحويلها بسهولة إلى أدوات استخباراتية وعسكرية، مما يثير المخاوف حول التجسس والاختراق.
جاءت تصريحات نتنياهو كرد فعل على تصاعد الانتقادات الدولية لعمليات جيش الاحتلال في غزة، وفرض بعض الدول قيوداً على شحنات الأسلحة.
محاولة نتنياهو التأكيد على قدرة سلطات الاحتلال على “تحقيق استقلالية أكبر عن الموردين الأجانب” وكسر أي حصار، هي محاولة لبعث رسالة طمأنة للداخل، وتهديد مبطن للخارج، مفادها أن سلطات الاحتلال قادرة على الاعتماد على نفسها وتجاوز أي ضغوط دولية. هذا السلوك يتماشى مع النهج الذي يتبناه قادة الاحتلال في مواجهة الضغوط الخارجية، والذي يركز على تأكيد القوة والمنعة.
في المجمل، لا يمكن قراءة تصريحات نتنياهو بمعزل عن السياق السياسي والأمني الأوسع. إنها ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز موقع الاحتلال، وإظهار قوته التكنولوجية والعسكرية، وتوجيه تهديد مبطن لكل من يجرؤ على تحدي سياساته، بما في ذلك القادة العرب والمسلمين الذين يسعون إلى موقف موحد.