منذ لحظة اندلاع العدوان الاسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، تقدّمت جبهة اليمن لتفرض حضورها لاعبًا محوريًا في معادلة الصراع، معلنة الحرب المباشرة على الكيان الإسرائيلي نصرةً لغزة، وترجمو لذلك أغلقت سلطات صنعاء البحر الأحمر أمام السفن المرتبطة بالاحتلال، ووجّهت صواريخها الباليستية وطائراتها المسيرة نحو عمق الكيان، في مشهد غير مسبوق من التضامن العملي.
ورغم محاولات الولايات المتحدة و”إسرائيل “المحمومة لشلّ هذه الجبهة وإخماد عملياتها، إلا أنّهما فشلتا أمام تصاعد قوة صنعاء التي واصلت ضرباتها بزخم متزايد، لتتحول إلى شوكة حقيقية في خاصرة الاحتلال “الإسرائيلي” والتهديد الأكبر له في المنطقة .
تسلسل زمني للأحداث
في 7 أكتوبر2023، وبعد عملية طوفان الاقصى، أعلنت صنعاء وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وغزة، واستعدادها للانخراط في مواجهة الكيان الإسرائيلي، ومع انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة ترجمت صنعاء الخطابات إلى أفعال حين استولت القوات البحرية التابعة لها في 19 نوفمبر 2023 على السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر” في البحر الأحمر، وهو الإعلان الذي مثل البداية الحقيقية للمعركة بين صنعاء، و”إسرائيل”، والولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت في 9 ديسمبر،2023، وبمشاركة بريطانيا وأكثر من 20 دولة، تحالفًا دوليًا لحماية السفن “الإسرائيلية “أُطلق عليه اسم “حارس الازدهار” .
وفي 12 يناير 2024، شنت الولايات المتحدة الأميركية عدوانًا على اليمن، بهدف القضاء على ما سمتها القدرات العسكرية لقوات صنعاء، وعلى عكس المتوقع لم تستطع من خلال تحالفها البحري وعدوانها على اليمن القضاء على قدرات صنعاء العسكرية ورفع الحظر اليمني المفروض على السفن “الإسرائيلية”؛ فرغم استخدام أحدث التقنيات العسكرية والاستخباراتية، استمرت هجمات صنعاء ضد السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” وبدأت قوات صنعاء باستهداف السفن الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، بعد أن كانت تستهدف فقط السفن “الإسرائيلية” أو المرتبطة بـ “إسرائيل” فقط.
وتصاعدت هذه الهجمات بوتيرة عالية، في ظل عجز تام من الولايات المتحدة عن تحقيق أي مكاسب تُذكر، وبدلاً من ذلك تكبدت الولايات المتحدة الأميركية خسائر بملايين الدولارات ووجدت نفسها في موقف دفاعي غير مسبوق، وهو ما مثل وقتها خسارة استراتيجية لواشنطن التي عجزت عن رفع الحظر البحري اليمني المفروض على السفن “الإسرائيلية” وإيقاف هجمات صنعاء على عمق الكيان الإسرائيلي.
وقف إطلاق النار في غزة والتهدئة
مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في 19 مارس 2025، توقفت صنعاء عن عملياتها ضد الكيان الإسرائيلي، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي انقلب على اتفاق وقف إطلاق النار، ما دفع صنعاء إلى استئناف عملياتها مرة أخرى، ومع ذلك أعادت الولايات المتحدة بالتعاون مع “إسرائيل” تصعيد الحرب على صنعاء بشكل أشد ضراوة، حيث أعلن رئيسها المنتخب دونالد ترامب، استئناف عدوان واشنطن على اليمن في 15 مارس 2025، ليبدأ فصل جديد من فصول المواجهة بين صنعاء والولايات المتحدة و”إسرائيل”، خسرت فيها الولايات المتحدة الأميركية هيبتها وفق الصحف الأميركية والأوروبية، وتكبدت خسائر بأكثر من 3 مليارات دولار دون تحقيق أي مكاسب تُذكر، وبعد 52 يومًا من العدوان على اليمن وفي السادس من مايو، اضطرت أميركا لطلب التوسط من سلطنة عمان لوقف هذه الحرب على شروط صنعاء، وهو ما مثل هزيمة مدوية للولايات المتحدة الأمريكية وانتصارًا كبيرًا لصنعاء.
التدخل الإسرائيلي المباشر
بعد الهزيمة المدوية التي تلقتها واشنطن في اليمن، اضطرت “إسرائيل” للإنخراط بشكل مباشر في العدوان على اليمن وبدأت بتنفيذ غارات متتالية على الحديدة وصنعاء وعدة مناطق، استهدفت البنى التحتية والمطارات والأعيان المدنية، حيث نفذت أكثر من 12 عدوانًا على اليمن حتى منتصف سبتمبر الجاري، لكنها فشلت كما فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في فصل جبهة اليمن عن غزة، ليبقى اليمن المعضلة الأكبر أمام مشروع “إسرائيل”، وعملياته العسكرية بالصواريخ الباليستية الفرط صوتية والانشطارية والطائرات المسيرة هي الأكبر تهديدًا لكيان الاحتلال “الإسرائيلي”.
بموازاة التحرك الأميركي و”الإسرائيلي” المباشر ضد صنعاء، رافق هذه الجهود محاولات لتوريط قوى إقليمية وتحريك الجبهات الداخلية، بهدف تشتيت اليمن عن معركة إسناد غزة.
كما شملت هذه التحركات محاولات لإثارة الفتنة ونشر الفوضى داخل اليمن، إلى جانب حملة استهداف إعلامي كبيرة ضد صنعاء، تهدف إلى تقويض مصداقيتها وإضعاف حضورها الإقليمي، إلا ان هذه التحركات فشلت إيضًا.
وتبذل الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” منذ اندلاع العدوان على غزة جهودًا مضنية لوقف جبهة اليمن، بهدف التفرد بالشعب الفلسطيني وغزة، خصوصًا بعد التغيرات الميدانية التي حدثت في لبنان وسوريا، والتي شهدت خروج حزب الله والفصائل المقاومة العراقية من معركة الإسناد لغزة.
وتعتبر واشنطن و”تل أبيب” أن اليمن اليوم هو العائق الأكبر أمام تحقيق أهدافهما في المنطقة، حيث تعمل هذه الجبهة على إعاقة تحركات العدو “الإسرائيلي” وعرقلة محاولات التفرد بالقضية الفلسطينية، وكل العمليات العسكرية والسياسية والإعلامية التي تبذلها الولايات المتحدة و”إسرائيل” تهدف إلى كسر إرادة اليمن، وإضعاف دوره المحوري في دعم غزة، إلا أن القوة اليمنية واستمرارية عملياتها العسكرية، سواء بالصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة، أو بالموقف الشعبي تجعل من اليمن عائقًا أمام أي محاولات لإعادة ترتيب الوضع في المنطقة وفق مصالح واشنطن و”تل أبيب”.