يدخل قطاع غزة مرحلة جديدة تُوصف بأنها الأصعب اقتصادياً منذ عقود، بعد أكثر من عامين من الحرب الإسرائيلية المدمرة، إذ لا تقتصر التحديات على إعادة بناء ما دمره الاحتلال من مساكن ومرافق، بل تمتد إلى إعادة تدوير عجلة الاقتصاد المنهار.
وسبَّبت الحرب في توقف شبه كامل للنشاط الإنتاجي والتجاري وتراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته، وهو انهيار جعل من عملية الإعمار فرصة إنقاذ اقتصادي بقدر ما هي ضرورة إنسانية.
وتحتاج غزة إلى مقاربة مزدوجة في إعادة الإعمار، الأولى تركز على استعادة الخدمات الأساسية والبنية التحتية، والثانية تتجه نحو تحريك الاقتصاد المحلي وتنشيط القطاع الخاص.
ويتطلب ذلك فتح المعابر بشكل دائم وضخ التمويل الدولي ضمن آلية شفافة تضمن التوزيع العادل للمشاريع مع إشراك الكفاءات المحلية في التنفيذ.
ووفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) فإن تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب المدمرة قد تصل إلى 70 مليار دولار، في وقت يواجه فيه القطاع أزمة إنسانية غير مسبوقة ودمارًا واسعًا في المباني السكنية والمنشآت الاقتصادية.
وأوضح البرنامج أن عملية إعادة الإعمار ستكون “مسارًا طويلًا ومعقدًا ويحتاج إلى وقت كبير”، مشيراً إلى أن الأولويات العاجلة تتمثل في إزالة الركام وتأمين المأوى المؤقت للسكان تمهيدًا لإطلاق مشاريع الإعمار الشاملة.
وأضاف: “نحو 50 مليون طن من الحطام خلفتها الحرب المستمرة منذ نحو عامين، في حين تضررت أو دُمرت 425 ألف وحدة سكنية بشكل كامل أو جزئي، وهو ما يجعل القطاع السكني الأكبر تضرراً في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، لافتاً إلى أنّ عملية الإعمار تحتاج إلى نحو 20 مليار دولار خلال العامين المقبلين وهي مرحلة أولى لتأهيل المساكن والبنى التحتية الحيوية.
وفي الجانب الإنساني، بدأت في الأيام الأخيرة عملية إغاثة سريعة في قطاع غزة مع فتح بعض الشوارع الرئيسية واستعادة مصادر المياه في عدد من المناطق التي كانت معزولة بالكامل.
وأعلنت الأمم المتحدة، تخصيص 11 مليون دولار إضافية لتوسيع نطاق العمليات الإنسانية في القطاع، وفق ما أفاد به وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توماس فليتشر.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، إن هذا المبلغ الجديد يأتي إضافة إلى 9 ملايين دولار خُصصت الأسبوع الماضي من صندوق الاستجابة للطوارئ المركزي (CERF)، لدعم الجهود الإنسانية العاجلة، مثل تأمين الغذاء والمياه والمأوى المؤقت للنازحين.
كما بدأت فرق ميدانية مشتركة من منظمات الإغاثة الدولية بإزالة الركام من الشوارع الرئيسية لتسهيل حركة المساعدات، وسط تحذيرات من تفشي الأمراض نتيجة تدهور شبكات الصرف الصحي وتلوث المياه.
ورغم أهمية هذه الخطوات، تبقى محدودة أمام حجم الكارثة، فالأمم المتحدة تشير إلى أن ما يقارب مليون ونصف مليون فلسطيني ما زالوا من دون مأوى دائم، وأن الحاجة الملحة تتطلب مئات الملايين من الدولارات فقط لتأمين الإغاثة المؤقتة قبل البدء بمشاريع الإعمار الكبرى.