قال قادة الانقلاب في مدغشقر، إن الرئيس الهارب أندري راجولينا، موجود في مدنية دبي بالإمارات، فيما يستعدّ العقيد ميكائيل راندريانيرينا للقَسَم رئيسًا انتقاليًا.
تقرير “إمارات ليكس” أوضح أن الإمارات باتت مكانًا مألوفًا منذ عقد على الأقل، لاستقبال شخصيات متهمة بالفساد أو متورطة في أزمات حكم، أو على الأقل قدرتها على الإقامة والاستثمار سريعًا في سوق عقاري يتمتع بدرجة عالية من السرية.
فالإمارات نفسها أكدت صراحة في أغسطس 2021 أنها استقبلت الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني وعائلته «لدواعٍ إنسانية» بعد انهيار كابول، في بيان رسمي لوزارة الخارجية الإماراتية تلاه تأكيدات من وكالات أنباء دولية.
بعيدًا عن اللجوء السياسي المعلن، قدّمت سلسلة تحقيقات دولية صورة أشدّ قتامة عن البنية المالية والعقارية في دبي.
وسبق أن كشف مشروع «دبي أنلوكد/ دبي مُفكَّكة» الذي قادته OCCRP وشركاؤها (أكثر من 70 غرفة أخبار) الوثائق كيف تحوّل سوق العقارات في الإمارة إلى «مغناطيس» يجتذب المسؤولين المتهمين والكارتلات المالية والمُعاقَبين دوليًا، مع قدرة على شراء وبيع عقارات فارهة رغم ملاحقات في بلدانهم الأصلية.
وأوصت منظمة الشفافية الدولية بتشديد الإشراف على مكافحة غسل الأموال استنادًا إلى نتائج التسريبات نفسها.
وتتراكم الشواهد الخاصة بأسماء بعينها. فإلى جانب استضافة غني، ظلّ ملف «الإخوة غوبتا»—المتهمين في جنوب أفريقيا بقضايا فساد كبرى يربط دبي بالمشهد: أُوقف اثنان منهم في الإمارة عام 2022.
وقد غذّت هذه الوقائع انطباعًا بأنّ بوابة الذهب والبحر يمكن أن تكون أيضًا بوابة «تنظيف السمعة» والهروب من المقاضاة.
لا يقتصر الأمر على أفريقيا. تحليلات بحثية سابقة أشارت إلى انجذاب نخب سياسية فاسدة من دول عدة، بينها نيجيريا إلى دبي لاقتناء أصول عقارية بملايين الدولارات، مُستفيدة من مرونة الإقامة والسرية المصرفية، بما يجعل الإمارة «واحة مثالية» لتكديس الثروات المشبوهة.
أما وكالة بلومبرغ فوثّقت كيف أصبحت دبي نقطة جذب لـ«الأثرياء المنبوذين» عالميًا، من رجال أعمالٍ ملاحقين إلى سياسيين مُعاقَبين.
تحقيقات «دبي أنلوكد» تُظهر بوثائق ملكية وعقود بيع أن منظومة الوساطة العقارية والسرية البنكية لا تزال توفر ثغرات كبيرة، تسمح للأموال الساخنة بالعبور والتوطّن في أصول ثابتة. بمعنى آخر: خطاب الإنفاذ يتقدّم، لكن واقع السوق ما زال يوازيه بثغرات واسعة.
على المستوى السياسي، يتجاوز «الملاذ الإماراتي» البُعد الإنساني إلى أداة نفوذ: استضافة رؤساء ومسؤولين مطاح بهم تمنح أبوظبي أوراقًا تفاوضية مع عواصم كبرى ومع الأنظمة الجديدة والقديمة على السواء.
وقد رأينا في ملفات مجاورة كيف استُخدمت شبكات النفوذ المالي والعسكري لتعظيم الحضور الإماراتي في نزاعات إقليمية (من السودان إلى اليمن)، وفق تقارير وتحقيقات صحفية غربية وعربية، ما يثير أسئلةً حول حدود الفصل بين المال والسياسة والأمن.
ودلالات حالة مدغشقر لافتة على مستويين. أولًا، أنها تأتي بعد سلسلة انقلابات أفريقية جعلت من العواصم الخليجية وفي مقدمتها دبي محطة لجوء مريحة للنخب المطرودة.
وثانيًا، أنها تُحرج المنظومة الدولية: إذا كان الاتحاد الأفريقي يعلّق عضوية دولة إثر انقلاب، فما قيمة ذلك بينما رئيسها المخلوع يظهر في «ملاذٍ» يتيح له الحركة والإقامة والاستثمار؟ هذا التناقض يُفرغ العقوبات من معناها ويبعث برسالة سلبية لحركات الشارع التي دفعت كلفة التغيير.
كما لا يمكن فصل الطفرة العقارية والسياحية في دبي عن تدفّق رؤوس أموال «غامضة المصدر»، فالبيئة التي تُسهِّل تملّك الشقق الفندقية والڤلل الفارهة عبر شركات واجهة، وتُتيح تحويلات معقّدة عبر مناطق حرة، تُغري المال الساخن الذي يبحث عن ملاذ آمن، بحسب قواعد البيانات المسربة وتحليلات منظمات رقابية.
وهنا تتحوّل الأبراج اللامعة إلى خزائن صامتة تبتلع ثروات شعوبٍ نُهبت في لحظات سقوط الأنظمة.