المصدر الأول لاخبار اليمن

موسم القهر بالضفة الغربية.. حين يُقطف الزيتون تحت فوهة بندقية الصهاينة

الضفة الغربية | وكالة الصحافة اليمنية |

في مشهد يتكرر سنويًا، تتصاعد اعتداءات المستوطنين الصهاينة ضد المزارعين الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية مع بداية موسم قطف الزيتون، لكنه هذا العام يأخذ طابعًا أكثر عنفًا وتنظيمًا، وسط دعم رسمي من حكومة الاحتلال وحماية من جيشه.

ويعد موسم الزيتون أحد أهم ركائز الاقتصاد الريفي الفلسطيني، إذ تعتمد عليه أكثر من 100 ألف أسرة كمصدر رزق أساسي. لكن هذا الموسم، وفق منظمات مختصة، يشهد موجة اعتداءات هي الأوسع منذ سنوات، تتنوع بين الاعتداء الجسدي، وإطلاق النار، وقطع الأشجار، وحرق المركبات، وسرقة المحاصيل، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، لا سيما في المناطق المصنفة (ج).

اعتداءات منظمة..

مدير مكتب الشمال في مركز أبحاث الأراضي بالقدس، محمود الصيفي، يؤكد لوسائل إعلامية أن هذا العام يُعد من أكثر المواسم استهدافًا لشجر الزيتون والمزارعين الفلسطينيين، لا سيما في محيط مدينة نابلس، حيث تتركز اعتداءات منظمة ضد أصحاب الأراضي.

ويوضح الصيفي في حديثه أن بلدة بيتا وحدها شهدت أكثر من 30 إصابة بين المزارعين خلال قطف الزيتون، بينها إصابة رئيس البلدية بكسور، فيما استُشهد مواطن في دير جرير شمال شرق رام الله برصاص المستوطنين، وأصيب أكثر من 20 آخرين، إلى جانب حرق أكثر من 20 مركبة في بلدات بورين وبيتا ودير جرير والمغير.

ويشدد أن هذا الاعتداءات ليست عشوائية أو فردية، بل “عمل منظم تشرف عليه حكومة الاحتلال ومجالس المستوطنات، وعلى رأسها مجلس شمال الضفة الغربية برئاسة المستوطن المتطرف يوسي داغان، الذي يدعو علنًا لمنع الفلسطينيين من دخول أراضيهم في المناطق المصنفة (ج)”.

هجمات مبكرة..

ويبيّن الصيفي أن 45 بؤرة استيطانية جديدة أُقيمت منذ مطلع العام الجاري، تعيق وصول المزارعين إلى أراضيهم وبساتين الزيتون، مشيرًا إلى أن هذا الموسم تميز بـ”الهجمات المبكرة” التي بدأت قبل انطلاق موسم القطاف، في محاولة لتقويض الإنتاج.

وأضاف أن الهجمات طالت 92 قرية وتجمعًا فلسطينيًا في الضفة، تحت حماية جيش الاحتلال.

ويتابع الصيفي: “قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتسليح أكثر من 7 آلاف مستوطن ليس للدفاع عن المستوطنات، وإنما لشن هجمات ممنهجة على القرى الفلسطينية”.

ويوضح أن أكثر من 150 ألف دونم مزروعة بأشجار الزيتون حُرم أصحابها من الوصول إليها، ما يعني حرمان آلاف الأسر من مصدر رزقها، في وقت يعاني فيه الموسم أصلًا من ضعف الإنتاج الذي لا يتجاوز 20% من المعدل السنوي بسبب قلة الأمطار.

المزارع ترك وحيدًأ..

من جانبه، يقول الناشط ضد الاستيطان عايد غفري من قرية سنجل قرب رام الله، إن المستوطنين “يحاصرون العائلات الفلسطينية في الحقول ويمنعونهم من الوصول إلى أراضيهم”، مشيرًا إلى أن “الاعتداءات طالت بلدات ترمسعيا والمغير وسنجل وكفر قدوم وغيرها، حيث تم الاعتداء على المزارعين بالضرب وحرق المركبات وتقطيع الأشجار وسرقة المحصول”.

ويلفت غفري، أن نحو 90% من أراضي الزيتون الواقعة في المناطق المصنفة (ج) تم الاستيلاء عليها فعليًا، مضيفًا أن سلطات الاحتلال “تمنح المزارعين تصاريح محدودة لساعتين أو ثلاث فقط، ولعدد قليل من العائلات، كغطاء دعائي لإظهار السماح بالوصول، بينما يكون المستوطنون قد سرقوا المحصول مسبقًا”.

وتضم قرية سنجل وحدها أكثر من 25 ألف شجرة زيتون تمتد على 10 آلاف دونم، لكن الاحتلال سمح لعدد محدود من العائلات بالوصول إليها، ليكتشفوا عند وصولهم أن مساحة واسعة من البساتين والأشجار جُردت من ثمارها بالكامل على أيدي المستوطنين، وفق غفري.

ويشدد الناشط الفلسطيني، أن ما يجري هو “إرهاب دولة منظم ضد المزارع الفلسطيني، الذي تُرك وحيدًا في مواجهة آلة الاستيطان”، موضحًا أن بعض المناطق التي لم تكن تحتاج إلى تنسيق لدخولها في السابق، باتت اليوم تخضع لتصاريح أمنية وتُستخدم فيها أسماء عبرية جديدة للبؤر الاستيطانية التي أُقيمت على أراضي الفلسطينيين.

المتضامنون الأجانب والصحفيون.. درع حامي

وخلال موسم الزيتون، يشارك عشرات المتضامنين الأجانب ممن يناصرون القضية الفلسطينية ويؤمنون بالحق الفلسطيني، المزارعين خلال موسم الزيتون، لا سيما في المناطق الساخنة التي تشهد اعتداءات متكررة من المستوطنين.

وعن جدوى وأهية تواجد المتضامنين يحدثنا غفري: “وجود الصحفيين والمتضامنين الأجانب إلى جانب المزارعين في الحقول، يشكّل درعًا حقيقيًا يحول دون وقوع اعتداءات أكبر، ويُسهم في توثيق الجرائم الإسرائيلية”.

ويروي لنا: “الاحتلال يمنع التصوير في بعض المناطق ويهدد المزارعين بعدم رفع الكاميرات، لأن الصورة هي الدليل الذي يفضح الحقيقة ويدحض روايته المزيّفة أمام العالم، وبالتالي يريد أن تصل الصورة التي يلتقطها هو فقط، وينقل واقعًا مزيفًا بأنه سمح للمزارعين بالوصول لأراضيهم بحرية”.

ولا يسلم المتضامنون الأجانب من اعتداءات المستوطنين وملاحقة الاحتلال، حيث يتعرضون للضرب والسحل خلال تواججهم مع المزارعين الفلسطينيين.

وأقدمت سلطات الاحتلال قبل يومين على ترحيل 32 متضامنًا أجنبيًا، بعد اعتقالهم خلال مشاركتهم في قطف الزيتون إلى جانب مزارعين فلسطينيين في قرية بورين جنوب نابلس شمال الضفة الغربية.

وفي تعقيبه على تصاعد هجمات المستوطنين، يقول غفري، إن “حدود القرى الفلسطينية اليوم باتت تنتهي عند حدود المنازل، بعدما صادر المستوطنون الأراضي المحيطة، وبات المزارع ينظر من بعيد إلى أرضه التي يقطفها المستوطن، في مشهدٍ من القهر والإذلال اليومي”.

ويؤكد: “الاحتلال يسعى من خلال هذه السياسات إلى خلق واقع جديد في الضفة يُكرّس دولة المستوطنين على حساب وجود الفلسطينيين”.

الموسم الأصعب منذ عقود..

بدوره، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، مؤيد شعبان، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين نفذوا 158 اعتداء على قاطفي الزيتون في مختلف محافظات الضفة الغربية منذ بداية موسم القطف الحالي.

ويوضح شعبان، في بيان الثلاثاء الماضي، أن طواقم الهيئة وثّقت 17 اعتداءً من قبل جيش الاحتلال، إلى جانب 141 اعتداء نفذها مستوطنون، تفاوتت بين اعتداءات جسدية مباشرة، وعمليات اعتقال، وتقييد حركة، ومنع وصول للمزارع، إضافة إلى إطلاق نار كما حدث في محافظة طوباس.

وتشير معطيات الهيئة، أن محافظة نابلس سجلت العدد الأكبر من الاعتداءات بواقع 56 حالة، تلتها رام الله بـ51 حالة، ثم الخليل بـ15 حالة.

ووثقت الهيئة، 57 حالة تقييد حركة وترويع لقاطفي الزيتون، إضافة إلى 22 حالة اعتداء بالضرب على المزارعين، ما يعكس تصعيدًا ملحوظًا في استهداف هذا الموسم الزراعي الحيوي.

كما رُصدت 74 عملية اعتداء على الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون، بينها 29 عملية قطع وتكسير وتجريف، أسفرت عن تخريب نحو 795 شجرة زيتون في مختلف أنحاء الضفة.

واعتبر شعبان أن موسم الزيتون الحالي هو الأصعب والأخطر منذ عقود، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال والمستوطنين استغلوا أجواء الحرب والسياسات الميدانية لتوسيع رقعة الاعتداءات، وسط دعم رسمي يتمثل في تسليح المستوطنين، إغلاق مناطق زراعية بإعلانها “مناطق عسكرية مغلقة”، وتوفير غطاء قانوني يعفي المعتدين من المساءلة.

قد يعجبك ايضا