من الواضح أن مجلس الأمن الدولي منذ ما قبل اندلاع العدوان على اليمن وحتى اليوم، قد تحول إلى أداة تُستخدم لخدمة دول التحالف وتوفير الغطاء السياسي والقانوني لاستمرار العدوان والحصار المفروض على اليمن ، فبدلاً من ممارسة دوره الحيادي والمسؤول، تبنى المجلس ومازال مواقف وقرارات انحازت بشكل واضح للطرف الخارجي المعتدي، وأسهمت في تعميق الأزمة وتصعيد المعاناة الإنسانية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة دوره الحقيقي ومدى التزامه بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
قرار تمديد العقوبات
وفي جديد هذه القرارات قرار تمديد العقوبات الذي أصدره المجلس مؤخراً والذي يعد انعكاسا للأجندة الأمريكية حيث تحاولان من خلاله الولايات المتحدة وبريطانيا شرعنة عسكرة البحر الأحمر وتهديد الملاحة في البحرين العربي والأحمر وهو ما أكده نائب وزير الخارجية في صنعاء عبدالواحد أبو راس في تصريح له اليوم .
هذا القرار يأتي كامتداد لسلسة قرارات شرعنت للعدوان والحصار على اليمن بداية بالقرار (2140) لعام 2014 والذي أعلن أن الحالة في اليمن تشكل تهديدًا للسلم الإقليمي، مستندًا إلى الفصل السابع لفرض إجراءات تمثل تدخلًا مباشرًا في الشؤون الداخلية للبلاد، والقرار (2216 ) الذي أصدره المجلس في 14 أبريل 2025 والذي جسد فيه دعمه بصورة مباشرة أو ضمنية – لشنّ التحالف بقيادة السعودية عدوانه على اليمن في 26 مارس 2015 ، مانحاً بذلك التحالف الغطاء الشرعي لاستمرار العدوان والحصار على اليمن ، والقرار (2564 ) الذي أصدره في 25 فبراير 2021 والذي أدان فيه أطرافا معينة على خلفية أحداث مأرب وهجمات الطائرات المسيّرة، دون أي ذكر للقصف المستمر أو الحصار المفروض على الشعب اليمني من التحالف ، وصولاً الى قرار تمديد العقوبات على اليمن الذي أصدره الجمعة الماضية .
عسكرة البحر الاحمر وتهديد الملاحة
قرار المجلس الصادر الجمعة والمتعلق بتمديد العقوبات المفروضة على اليمن اتى ليعكس بوضوح حجم النفوذ الأمريكي والبريطاني داخل المجلس، ويكشف انحيازًا سياسيًا متجددًا يهدف إلى خدمة أجندات تلك الدول في المنطقة ، وهذا القرار لم يكن نتاجًا لاعتبارات قانونية أو أمنية موضوعية، بل نتيجة مساعٍ أمريكية–بريطانية حثيثة لشرعنة عسكرة البحر الأحمر، وإضفاء غطاء دولي على الأنشطة العسكرية التي تمارسها قواتهما في البحرين الأحمر والعربي، تحت ذريعة “حماية الملاحة .
هذا القرار يمثل استمرارا للنهج الذي اعتمدته واشنطن ولندن منذ بداية العدوان على اليمن، حيث يعملان على استخدام مجلس الأمن كمنصة لإعادة تعريف المشهد الإقليمي بما يتوافق مع مصالحهما الجيوسياسية، وبخاصة في الممرات المائية الاستراتيجية التي تُعد من أهم شرايين التجارة العالمية ، فبدلاً من معالجة جذور التوتر في البحر الأحمر والخليج العربي، تسعى هذه القوى إلى فرض واقع عسكري جديد يمكّنها من التحكم بتلك الممرات، وهو ما تعتبره صنعاء تهديدًا مباشرًا لسيادة اليمن ولأمن البحر الأحمر كمنطقة إقليمية مشتركة.
كما أن القرار لا يمكن اعتباره سوى محاولة ضغط سياسية جديدة تهدف إلى تغيير الموقف اليمني من القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الدور الذي أعلنت صنعاء التزامها به دعمًا للفصائل الفلسطينية ومناهضة السياسات “الإسرائيلية” في غزة. فالتوقيت السياسي للقرار، وتزامنه مع تصاعد المواقف اليمنية المناصرة لفلسطين، يؤكد أن الدول الراعية للقرار تسعى لاستخدام أدوات العقوبات لثني اليمن عن موقفه الثابت تجاه الشعب الفلسطيني .
أبرز الأسباب لمعاناة الشعب اليمني
أن قرارات مجلس الأمن الصادرة خلال أكثر من عشر سنوات من العدوان والحصار قد أثبتت أنها أحد أبرز الأسباب المباشرة لمعاناة الشعب اليمني ، فبدلًا من أن يقوم المجلس بالدور الحيادي الذي يفرضه عليه ميثاق الأمم المتحدة، وأن يسعى إلى نزع فتيل الصراع والتخفيف من الأعباء الإنسانية، جاءت تلك القرارات لتُشرعن استمرار العدوان وتُضفي غطاءً سياسيًا على الحصار المفروض على اليمن .
ويمكن القول أن مجلس الأمن، من خلال تبنّي مواقف غير متوازنة وصياغة قرارات تصبّ في خدمة دول العدوان، لم يكتفِ بالابتعاد عن دوره كراعٍ للسلام، بل تحول إلى طرف مؤثر في استمرار الحرب، حيث تجاهل آثار الحصار وعمليات القصف وما ترتب عليهما من أزمات إنسانية خانقة، شملت انعدام الأمن الغذائي وتدهور الخدمات الأساسية وتعطّل مؤسسات الدولة
ويمثل ها الانحياز، الذي تراكم على مدى عقد من الزمن، جُرمًا مباشرًا بحق الشعب اليمني، ويُظهر أن المجلس لم يلتزم بمسؤولياته القانونية والأخلاقية، بل أسهم في تعقيد الوضع وزيادة معاناة المدنيين، عبر الاستمرار في شرعنة العدوان والحصار بدلاً من الدفع نحو حل سياسي شامل ينهي المأساة الإنسانية في البلاد .