المصدر الأول لاخبار اليمن

جيل زد يهز المكسيك.. والتتمة آتية

تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية

 

بعد نيويورك، وما أدراك ما نيويورك! وقبلها مدغشقر وهولندا وأخريات، جيل زد وقد اشتد ساعده وتعمقت معارفه ويغير في أدائه وآلياته، ويختبر فرصه وطريقه.

أطلق ظاهرة الأممية الشابة المناضلة في حراك متواصل ومتصاعد لنصرة غزة توَّجها بأسطول الصمود الدولي.

 

جيل زد يتقدم بثبات ويختبر فرصه ويأخذ نفساً ليعيد تقييم خطواته وحراكه، ويطابق بين الواقع المعاش والواقع الافتراضي حيث اكتسب قيمه ومعارفه وعاش حراً، وتفاعل مع أترابه في أركان الأرض الأربعة بلا حواجز أو معيقات وبلا مسلمات أو إسقاطات أو أفكار ونظريات وعقائد وأديان وطوائف وهويات معلَّبة ومشغولة لتأبيد الماضي العتيق وإعاقة الجديد وإجهاضه.

جيل زد يستمر في حراك متنامي أصيل لا تحده جغرافية ولا تعيقه لغة أو حواجز وحدود، يقاس فعله وأهدافه بقيم العصر ومنتجاته وتجاربه، وبالتفكير الجديد وليس من الصندوق الذي ضربه الصدأ.

 

أطلق أولى وأهم حراكه في أمريكا نفسها -وهي رأس العولمة وقيادتها وقد توحشت بعد أن تلبرلت ومنذ الـ٢٠٠٠ حاولت نخبتها ولوبياتها تجديد هيمنتها العالمية، فسعت لتأبيدها في وثيقة القرن الأمريكي التي صاغها المحافظون الجدد، وأطلقوا مع بوش الابن حقبة تدمير وإبادة الأمم والعودة إلى الاستعمار القديم وأدواته، وقد خسروا الحروب في أفغانستان والعراق وبيروت وفلسطين.

حاولت لوبيات نيويورك تغيير الأدوات والخطط والاستراتيجيات، وأشاعت الفوضى والحروب وغطت وسلَّحت قوى ودول وجماعات لإبادة الأمم والشعوب نيابة عنها، بعد أن فشلت غزواتها لتأمين الهيمنة. إلا أنَّ مقاومة العرب والمسلمين استنزفتها وأعجزتها فسرعت من أزماتها وانكشافها على أعطابها البنيوية، وفجرَّت تناقضات نخبها ولوبياتها، وأَمنَّت صعود ظاهرات جديدة فيها كالترامبية وحركة انتيفا واحتلوا وول ستريت ولا ملوك في أمريكا، وأطلقت جيل زد من جامعات النخبة فيها، وتقدم حتى حقق نصراً باهراً مؤسِسَا ومُغيراً في أمريكا وتوازناتها في عمدة نيويورك وهي عاصمة ورأس العولمة المتوحشة، وتالياً في مستقبلها ودورها، وبكل تأكيد استعجال دفن العالم والنظام الانجلو سكسوني العدواني والمتوحش.

 

جيل زد عالمي بطبائعه وثقافته وتفاعلاته وحراكه، وبذلك طابق حاجات التاريخ والأزمنة، وتحققت فيه وبحراكه حقيقة أنَّ البشرية بلغت في تطورها وارتقاء اجتماعها وهوياتها حقبة العالمية التي حاولت أمريكا مصادرتها بأمركتها وأسمتها العولمة.

 

العالمية حقيقة وحقبة في تطور الإنسانية بلغتها منذ عقود فحاول القديم إجهاضها وتكييفها وقسرها، فأبت وقاومت الأمم والشعوب، وتولَّدت الحرب العالمية العظمى الجارية في كل المسارح وبكل فروع الحروب وأدواتها ومداياتها.

 

حرب غزة التي توجت خمسة عقود من عمر محور المقاومة، وقرن ونيف على اغتصاب فلسطين لإقامة كيان صنيعة على شاكلة أمريكا الدولة المصنعة في خدمة الشركات التي أسستها وأحكمت قبضتها عليها، وجعلتها دولة قائدة قاعدة لأمركة العالم واغتصاب العالمية.

غزة صموداً وقتالاً وتضحية وإبادة وتدمير استعجلت ولادة جيل زد، واختبار قيمه وقدراته، وهو جيل فتي بعمر الـ2٥ سنة المعروف بأنه عمر الإبداع والتمرد وجيل الثورات الجذرية والانقلابية، بدأ مشواره ويتشكل قوة تاريخية حاملة للعالمية وتستعجل ولادتها ليس نظاماً في العالم الانجلو ساكسوني إنما تأسيسا للعالمية بعالم جديد في قواعده وقوانينه وقيمه وتشكيلات منظماته، وبالضرورة موسوم بقيم وطبائع وحاجات جيل زد الأكثر إنسانية واجتماعية وإيمان وتفاعل بين البشر الأحرار المتساوون بالحقوق والواجبات.

 

جيل زد يعصف بالمكسيك ويشتبك وعزيمته قوية، وقد تعلم من الدروس والتجارب، واقترب كثيراً من فهم الواقع المعاش لتغييره.

 

المكسيك بعد هولندا ونيويورك منصة في غاية الأهمية والتأثير على أمريكا ومكانتها، والأهم توازناتها وصراعات لوبياتها، فلها حدود برية معها ولها خمس ولايات كانت الشركات وحكومتها قد انتزعتها من المكسيك بلصوصية وضمتها لأمريكا، وغالبية سكان تلك الولايات من أهل البلاد الاصليين ومن المهاجرين، وما يسمون بالهيسبانك والمهمشين ويتعرضون لمحاولات استئصال وترحيل وسد سبل الحياة عليهم من ترامب وإدارته الارتجالية والمتعجرفة

في انتظار ومتابعة العاصفة التي ضربت المكسيك وكيف ستجري الأمور، وما الذي سيحققه جيل زد فيها لابدَّ من متابعة لصيقة وتفاعل ومقاربة للعاصفة والظاهرة بقواعد تفكير عصرية.

فالحدث والمسرح والشعارات والأهداف ليست منقطعة أو منفصلة عما هو جارٍ في أوكرانيا وفلسطين والشام والرافدين والمغرب والسودان، وأوروبا المأزومة والتي تنتظر عاصفة زلزالية سيقودها جيل زد أيضاً وربما زمنها بات أقرب بكثير.

بعد نيويورك وعلى علاقة حبل سرة ورحم تنفجر المكسيك، وترمب منشغل في محاولات الاستئثار بغزة والشام والرافدين لتأمين صفقاته العقارية والنفطية ويهدد فنزويلا والكاريبي!

لله رميات محكمات، وللحاجات وضرورات تطور الحياة البشرية واكتمال حقبها نقلات من الكمي إلى النوعي وقد أزفت الأزمان. فليس أمراً عابراً أن غزة وقضيتها وأرواح أطفالها ونسائها حاضرة في خطاب وشعارات جيل زد كما في نيويورك أيضاً في المكسيك.

 

كاتب ومحلل سياسي لبناني

قد يعجبك ايضا