المصدر الأول لاخبار اليمن

الشرع يفاوض “إسرائيل”.. هل تُبنى السيادة على وساطة الآخرين؟

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

المفاوضات غالبًا في الشرق الأوسط، لا تبدأ من مراكز القوة، بل من مناطق الضغط والانكشاف.. هذا ما يبدو أن الإدارة السورية الجديدة تدركه جيدًا، وهي تدخل في مفاوضات غير مباشرة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر وسطاء إقليميين، بهدف تهدئة الأوضاع و”تفادي فقدان السيطرة”.

خطوة كهذه، رغم ما توحي به من عواقب التغيير، تفتح الباب واسعًا أمام سؤال مقلق: هل تهدئة الخصم الذي يملك سماءك وحدودك وأجندته، ممكنة دون امتلاك أوراق القوة؟ أم أن ما يُطرح “مفاوضات” ما هو إلا استجابة مشروطة لمعادلة تُفرض من الخارج لا تُدار من الداخل؟

حديث الرئيس السوري أحمد الشرع عن مفاوضات غير مباشرة مع “إسرائيل” عبر وسطاء إقليميين، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي تتحرك فيه دمشق.. نظام جديد يسعى لتثبيت أقدامه، وسط توازنات لا تسمح بالهامش الكبير، وخيارات تبدو أكثرها مفروضة من الخارج لا من مائدة السيادة الوطنية.

لكن خلف هذا التصريح تكمن إشكالات بنيوية تتجاوز لغة التهدئة إلى أسئلة جوهرية حول موقع سوريا في معادلة النفوذ الإقليمي، ومدى قدرة الدولة الجديدة على انتزاع اعتراف بسيادتها من خصم اعتاد أن يفرض ويعتدي لا أن يفاوض.

وساطة متكررة.. ونتائج مُخيّبة

حديث الشرع عن وساطة لا يبدو مفاجئًا في سياق إقليمي باتت فيه الإمارات تلعب دور الناقل بين الخصوم، لكنّ التجربة تُلقي بظلال ثقيلة على الحاضر.

ففي عام 2022، حين لعبت أبوظبي دور الوسيط بين “تل أبيب” والنظام السوري السابق، انتهت محاولات “التهدئة” إلى موجة ضربات إسرائيلية أكثر شراسة، استهدفت مواقع سورية بشكل متكرر، وعرّت محدودية قدرة الوسيط على لجم كيان الاحتلال أو حتى ضمان الحد الأدنى من احترام سيادة دمشق.

اليوم، تعود دمشق إلى مربع الوساطات ذاتها، لكن من موقع أكثر هشاشة سياسيًا وعسكريًا، وفي ظل تغير توازنات القوى الإقليمية والدولية.

التفاوض من موقع ضعف

الإشكالية الكبرى في ما كشفه الشرع لا تكمن في أصل التفاوض، بل في سياقه وأدواته.. فحين تذهب دولة أنهكتها الحرب وتخوض صراع دموي ضد طوائف وأعراق شعبها، إلى مفاوضات “غير مباشرة” مع خصم يتفوق جوًا وتقنيًا، دون امتلاك أوراق ردع حقيقية أو عمق تحالفي ضامن، فإن النتيجة الأقرب هي فرض الشروط لا تبادلها.

كيان الاحتلال الإسرائيلي يتحرك بثقة لأنه يعلم أن خصمه يتحدث عن التهدئة من باب الضرورة لا التكافؤ، وهو ما يُحيل إلى معضلة أعمق.. كيف يمكن الحديث عن تفاوض سياسي، في غياب قوة تحمي المنجزات المفترضة؟ أو كما يُقال في لغة السياسة: الدبلوماسية لا تعمل عندما تغيب القوة.

قائمة شروط أمريكية تنتظر دمشق

في موازاة هذا المسار، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى فتح قنوات تحالف مع واشنطن.. ووفق ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن الشرع بعث برسالة إلى البيت الأبيض يطلب فيها عقد اجتماع رسمي خلال زيارة متوقعة لترامب إلى دول الخليج، في محاولة لتقديم حكومته كشريك محتمل في خريطة النفوذ الأمريكي بالمنطقة.

لكنّ واشنطن لم تبادل الطلبات بالمجاملات، بل ردت بقائمة شروط سياسية وأمنية قالت مصادر إنها تشمل إصلاحات داخلية، وضمانات إقليمية، وانفكاكًا عن بعض التحالفات السابقة وفي مقدمتها التحالف مع تركيا وقطر.

بين “التهدئة” و”الارتهان”.. ماذا تبقى لدمشق؟

 

ما بين مفاوضات التهدئة مع كيان الاحتلال، ومساعي نيل الرضا الأمريكي، تتحرك سوريا الجديدة في حقل ألغام إقليمي، بلا أدوات ضغط حقيقية، وتحت وطأة تراكمات الماضي.. التفاوض من موقع الضعف لا يعيد للدولة سيادتها، بل قد يفتح الباب أمام مزيد من التنازلات.

الرهان على وساطات سبق أن خذلت، وعلى وعود أمريكية مشروطة، يعيد طرح السؤال الأهم: هل باتت دمشق أمام خيارين لا ثالث لهما.. التهدئة أو الارتهان؟ أم أن استعادة السيادة تبدأ من بناء مشروع وطني صلب، لا من مقايضته على طاولات غير متكافئة؟

قد يعجبك ايضا