المصدر الأول لاخبار اليمن

قوات الاحتلال تبدأ حرباً دينية مركبات جدعون.. غزة واليمن تواجهان اساطير الدم

تحليل/وكالة الصحافة اليمنية//

 

تزامناً مع ذروة العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، صادق “الكابينت” الإسرائيلي على إطلاق اسم جديد لعمليته العسكرية “مركبات جدعون”، وهو اسم ينهل من التراث التوراتي للحروب ضد العرب، ويستدعي بوضوح مضامين دينية وتاريخية ذات طابع استعماريّ.

رسائل حرب توراتية

إن “مركبات جدعون” ليست مجرد عملية عسكرية، بل صفعة صريحة تُوجّه إلى أمة لم تعد تملك من التضامن إلا البيانات، ومن الردع إلا الصمت.

العملية الصهيونية الجديدة في غزة تحمل رسائل دينية وتاريخية مضمرة، لكنها في جوهرها الصريح تمثل إعلان حرب توراتية على شعب مسلم أعزل.. غير أن ما هو أخطر من التسمية نفسها، هو التجاهل العربي والإسلامي شبه الكامل لهذه الدلالات، وكأن ما يُعلن في فلسطين المحتلة لا يعني أمةً تمتد من جاكرتا إلى طنجة، وتُعدّ أكثر من مليار مسلم.. لدرجة بات فيها الخذلان جماعيًا، والصراع دينيًا أحادي الطرف.

الرسائل موجهة، ليس فقط إلى الفلسطينيين، بل إلى العالم الإسلامي كلّه.. فاختيار اسم من عمق اللاهوت اليهودي هزم فيه العرب، وتوظيفه في معركة تدور رحاها داخل بقعة مقدسة لكل المسلمين، هو في جوهره إعلان حرب دينية، تتقاطع فيها الأسطورة مع السلاح، والنبوءة مع النار.

رموز القتال في العقل اللاهوتي الصهيوني

الاسم ليس عابرًا.. فـ”جدعون” بحسب الرواية التوراتية في سفر القضاة، هو قائد اختاره الرب لهزيمة المديانيين – أهل مدين في تبوك السعودية – رغم قلة عدد جيشه وذلك بفضل “خطة ذكية”.. وفي الذهنية العسكرية الصهيونية، يُمثّل جدعون نموذجًا للنصر على العرب رغم الضعف، والقتال المشروع دينيًا مهما كانت المعطيات الميدانية عبر “الشرعية الإلهية” لا عبر التفوق العددي.

أما “المركبات”، فهي رمز القوة والسرعة والانقضاض، سواء كانت عربات قتال قديمة تجرها الخيول، أو دبابات ومدرعات متطورة في ميدان المعركة الحديث.. بدمج هذين الرمزين، يقدم كيان الاحتلال الإسرائيلي عمليته الجديدة في غزة كحرب مقدسة ضد العرب، غلافها حديث لكن جوهرها توراتي تقليدي.

تكرار تاريخي

ليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها كيان الاحتلال إلى اسم “جدعون” في عمليتها العسكرية ضد العرب.. ففي نكبة عام 1948، أطلق الاحتلال الإسرائيلي على واحدة من عملياته لاحتلال مدينة بيسان وطرد سكانها الفلسطينيين اسم “عملية جدعون”.

الاسم ذاته يعود اليوم مع مركباته، ليحمل دلالة استعمارية واضحة.. طردٌ جديد، وتهجيرٌ جديد، وتاريخٌ يُعاد تدويره بالدم والنار.

لقد خاض كيان الاحتلال عمليات عسكرية سابقة بأسماء دينية كـ”عامود السحاب” و”السور الواقي”، لكنه اليوم يتعمد أن يُعلن سفر الحرب كأنه جزء من كتابه المقدّس، وعلى الجانب الآخر.. تلوذ أنظمة عربية وإسلامية بالصمت، أو تُغلف مواقفها ببيانات باهتة، فيما يُترَك أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون وحدهم عاصفة “جدعون”.

حرب صهيونية وصمت مهين لأمة المليار

اسم العملية يكشف نوايا صهيونية بالعودة إلى منطق الغزو الديني، ويفضح في الوقت ذاته عجز النظام العربي والإسلامي عن مجرد التسمية المضادة.. ناهيك عن الفعل.

إن تسمية العملية بهذا الشكل ليست مسألة دعائية أو لغوية، بل إعلان ضمني أن الصراع بات دينيًا في المنظور الصهيوني.. “نحن أبناء الرب، نقاتل أعداء الرب”، وهي نغمة يتكرّر عزفها في الخطاب الصهيوني الرسمي وشبه الرسمي، ومع ذلك.. وباستثناء اليمن لا أحد من العالم الإسلامي تصدّى لهذه الوقاحة اللاهوتية المسلحة، لا سياسيًا ولا إعلاميًا، وكأن غزة ليست من بلاد المسلمين، ولا الدم الذي يُسفك فيها هو دمهم.

وفي مقابل وضوح الرسائل الصهيونية، بدا الرد العربي والإسلامي ــ إن وُجد ــ باهتًا، متواطئًا بالصمت، أو منغمسًا في بيانات دبلوماسية لا تحمي طفلًا ولا توقف صاروخًا.. لم يُعقَد اجتماع طارئ فاعل، ولم تُطلق تسمية سياسية أو إعلامية تُوازي رمزية “مركبات جدعون”، بل تُركت غزة واليمن  (لتخوضا) معركة الأسطورة والحرب الدينية لوحدهما.

صراع النبوءة والصمت

هكذا، بين نار الأسطورة وسكون الخذلان، تواصل غزة واليمن معركتهما الوجودية، وحيدتان إلا من دمهما.

في ظل كل ذلك، تقف غزة واليمن، الجريحتان والمحاصرتان، في مواجهة “مركبات جدعون” التوراتية الحديثة، بكل ما فيها من طائرات وقذائف وسرديات دينية ملوّثة بالدم.. لا حماية دولية، ولا مظلة عربية، ولا حتى وعي شعبي بحقيقة ما يجري من محاولة إعادة إنتاج “حرب دينية” تُخاض بأسلحة الغرب وشرعية “العهد القديم”.

ما يجري في غزة ليس مجرد حملة عسكرية، بل إحياء لأساطير توراتية يراد لها أن تُطبق بالنار على أرض فلسطين. “مركبات جدعون” ليست فقط تسمية عسكرية، بل ترميز لمرحلة جديدة من الصراع العربي-الإسرائيلي، تتقاطع فيها الحرب الدينية مع الاحتلال.. وبينما يدق الصهاينة طبول النبوءة، تتراخى أمة الإسلام في مديح الصمت، وتخون غزة واليمن مرتين.. بالخذلان، وبالتجاهل.

قد يعجبك ايضا