المصدر الأول لاخبار اليمن

المقاومة خيار يتوعك ولا يموت: قرن فلسطين وقضيتها.. كيف انتقلت البندقية من كتف إلى كتف؟

تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//

يستعجلون سحب السلاح. يتوهمون بإنهاء خيار المقاومة. مقاولون في الإعلام والسياسة، وتجار الوطنية، وكاذبون بحبهم للحياة.
المقاومة يا سادة؛ صنو الحياة، فالخالق جعلها فعل ورد فعل من خارج الإرادات والوعي الإنساني.
الجماد والأشياء والحيوان والإنسان وهبوا فضيلة المقاومة، ورد الفعل المتناسب مع الفعل. فتطور البشرية يقوم على حاصل الصراع بين الخير والشر والموت وإرادة الحياة والارتقاء.
والإيمان في الحرب بين إبليس والملائكة.
انها أصل وقاعدة الحياة والتطور والنمو.

الشعوب منذ البدء قاومت وتقاوم وتسعى لخيرها وتنميتها وتعظيم قدراتها لإنتاج حاجاتها.

الاستعمار والاستعباد فعل عدواني استوجب رد فعل.
الأمة والوطن طوران تاريخيان،
“فأطعمهم من جوع وامنهم من خوف”
الاحتلال والإبادة والتطويع ظلم باين استوجب ويستوجب المقاومة.
العرب استولوا على إسبانيا، فقاومت شعوبها مئات السنين، وتحررت.
الفرنسيون استولوا على الجزائر، فقاومهم الشعب عشرات العقود، وتحررت.
الغزاة استولوا على العالم الجديد، فقاومتهم الشعوب الأصلية حتى أبيدت!
الانجلو ساكسون زرعوا إسرائيل في فلسطين، فقاوم الفلسطينيون والعرب لقرن وعقدين ومازالوا.
الفرنسيون والبريطانيون والأوروبيون استعمروا إفريقيا والعرب، فقاومتهم الشعوب حتى هزمتهم.
فرنسا وأمريكا احتلوا فيتنام وخرجوا منها مهزومين.
السوفييت والأمريكان احتلوا أفغانستان وهزموا شرَّ هزيمة.

المقاومة نمط حياة، وإرادة خالق، وفعل دائم التجدد.
فلسطين أقدس قضية، وأوضحها في كشف التعسف والعدوان والبلطجة وحروب الإبادة، لاستعباد الشعوب وانتزاع حقها التاريخي والقومي.

قضية فلسطين عاصرت قرناً ونيف، وتشكلت أحد أهم القضايا المحركة والفاعلة في السياسات وتشكل الأحلاف وتوازنات القوى. وكلما تخلَّت جماعةٌ أو فئة أو اتباع عقيدة، استبدلتها الأمة بأخرى. وتستمر الحلقات، وتتبدل القوى والتشكيلات وتتجدد المقاومة.

مع وعد بلفور المشؤوم نهض الفلسطينيون، وناصرتهم جموع من العرب والمسلمين، وقاتلوا بالإضرابات والانتفاضات وبالسلاح، حتى هزموا في حرب ٤٨ لاختلالات في ميزان القوى ولطبيعة القوى التي تصدرت وقادت، وبفعل القوة الاستعمارية المنتدبة والتوازنات العالمية.

خالَ البعض أن المسألة انتهت، والقضية وئدت، فكانت هزيمة الـ٤٨ والخيانات سبباً ودافعاً لتثوير المنطقة والإقليم. أطاحت الجيوش بالنظم وتبنت عقيدة قومية ويسارية تماشياً مع الحقبة وبتأثير الثورة البلشفية وإنجازاتها العبقرية.

ثم كانت هزيمة الـ١٩٦٧ للنظم وجيوشها. وافترض الكثيرون نهاية المقاومة، وتَمكِن إسرائيل والحكومات والكيانات التي صُنِّعت لتتخادم معها، لخدمة القوى الاستعمارية التي قسمت المنطقة وأنشأت كياناً ونظماً قاصرة خدمية.

فكانت معركة الكرامة في الأردن ١٩٦٨، وصعدت موجة عاتية تقودها منظمة التحرير الفلسطينية مستندة إلى الشتات الفلسطيني، وانخراط حركات قومية ويسارية. واستمرت المقاومة، وأُغرِقت فصائلها بالأموال، وتضخمت بيروقراطيتها، وضربها الفساد، وانحرفت عن هدفها بالتحرير، واشتغلت بإقامة دويلات مرةً في الأردن وثانية في لبنان. وتحولت من مقاومة إلى تشكيلات أشبه بالجيوش النظامية، وهادنت وفاوضت وبحثت عن الاستقرار لتأمين مصالح أباطرتها لا للتحرير.

جاء اجتياح الـ ٨٢لبيروت، ورحَّل منظمة التحرير وأضعف قوى إسنادها من القومين واليسارين.

صدحت أصوات التشفي والتهكم، وافترض دعاة التسويات وتصفية القضية أنهم أصبحوا سادة الأزمنة، ووقِع اتفاق ١٧ أيار، واحتلت إسرائيل لبنان، وسعت لجعله محمية إسرائيلية وقاعدة قيادة وإدارة أمريكية للمنطقة برمتها. إلا أنَّ المفاجأة الصاعقة تمثلت بولادة المقاومات الإسلامية، التي قاتلت ببسالة وخبرات وروحية ثورية عقائدية، فهزمت إسرائيل وكسرت أخطر أذرعها وقوتها الاستراتيجية، لفرض مصالحها وتأمين رعاتها بالاحتلال. وخرج الجيش الإسرائيلي ورأسه بين فخذيه، وانهارت الخطط والمشاريع، وسحبت أمريكا والأطلسي قواتهم. وهُزمت البحرية الأمريكية في استعراض القوة والاشتباك مع سورية، وفروا تحت رحمة المقاومة وسورية من لبنان.

المقاومة بطابعها وعقيدتها الإسلامية تشكلَّت ظاهرة ثورية نوعية حيوية، نهضت بخيار المقاومة وأكدت أنه السبيل الوحيد للتحرير. بينما أدت الاتفاقات والتسويات إلى “تتبيع” النظم والنخب، وأطلقت يد إسرائيل وحلفها في الدول التي صالحت، وتحولت سلطة أبو مازن إلى “انطوان لحد” الفلسطيني.

تحررت غزة ٢٠٠٥ على النموذج اللبناني دون تفاوض ودون ترتيبات، وخرج الجيش والمستوطنون الصهاينة تحت النار وتحت رحمة غزة وفصائلها ذليلين مهزومين.

حققت المقاومة في حرب تموز وحروب غزة انتصارات باهرة، كسرت أخطر وأهم عناصر قوة إسرائيل التي كانت. بخوض الحروب في أرض الخصم وبالحروب النظيفة والحسم السريع. وتثبَّت أنَّ المقاومة هي الخيار الأوحد، و”العين كسرت المخرز” وأسقطت بهورات وأكاذيب الجيش الذي لا يقهر!

عاشت المنطقة، واعتدَّ العرب والمسلمون بالانتصارات. وتنعَّم لبنان بالسيادة والكرامة الوطنية، وبالاعتزاز وبتحصيل الحقوق البحرية، وبالحماية من الإرهاب الأسود، واستدَّر السلاح مئات مليارات الدولارات وأمنَّ الاستقرار المجتمعي.

وبحكم قوانين التاريخ وحاجات التطور وضرورات التحول من الكمي إلى النوعي تجسدت الحقائق والمهام الواجبة “برمية الله” في عملية طوفان الأقصى العجائبية، نذيراً بأنَّ الزمن بات زمن التحرير وإنهاء الاستيطان، كما جرى في الجزائر وزمبابوي وجنوب إفريقيا ومختلف التجارب.

“رمية الله” في الطوفان العجائبية أطلقت جنون المستعمرين، وأعلن نتنياهو حربه الوجودية وزجَّ بكل ما لدى إسرائيل وحلفها العالمي، وانخرط العالم الانجلو ساكسوني بكل قوته وعدته وعتاده، ونهض محور المقاومة وكسر سايكس بيكو ودساتيره وتقسيماته ووحد الجبهات.

الحرب مُطَهِّرٌ واختبار، وهي القابلة المولدة للجديد من رحم القديم. ومخاض الولادة لا يؤجل، فإما تكون الولادة طبيعية أو قيصرية أو يموت المولود أو تموت الوالدة أو الاثنان معاً!

الحق القومي يُستعاد كاملاً، ولا يقبل القسمة أو التسويات.

انكفأ حزب الله، وينشغل بعلاج الثغرات والتطهر من الاختراقات، ولإعادة تأهيل البنية والقدرات، وتقرير مستقبل السلاح، بل وجوده ووجود الشيعة بات مسألةً تحت البحث!
انهار النظام السوري لضعفه وأخطائه، وليس لقوة إسرائيل أو هيئة تحرير الشام.

توقفت جبهة الإسناد من العراق، وبات سلاح الحشد وتشكيلاته ومستقبل العراق والتعايش بين الأمريكي والإيراني على بساط البحث.

يخال المستعجلون والمنبهرون بعضلات نتنياهو “الخلبيَّة” و”الفيشنك” أن زمنهم قد أتى، وأن هذه فرصتهم للاقتصاص من السلاح والمقاومة.

خسئوا واهمين.. خيار المقاومة يتوعك ولا يموت.

للمقاومة ربٌّ يحميها، ونبض أمة متوثبة لم تلقي السلاح، ولا رفعت رايةً بيضاء لقرن وثلاثة عقود. وقبضة الفولاذ ترفع مشعل المقاومة، ودماء الأطفال والنساء والقادة والأبطال تزيد إشعالها ولهيبا، وتتكفل “غزة هاشم والمعمداني” بتألقها، وتُشهد العالم برمته على ممارسات الكيان وأزماته وعجزه مدعوماً من العالم المهيمن، وتُفجِر أزماته وتصب زيتاً على جمر خلافاته المصلحية مع سيده أمريكا والحكومات الأوروبية. واليمن يسجل سوابق تاريخية فيهزم حف الازدهار وينهي عصر القوة الامريكية

مسيرة المقاومة العربية الفلسطينية مسيرة كبرى بل عظمى، من فلسطين إلى مصر وسورية والعراق والسودان والجزائر واليمن والأردن إلى لبنان وعودة إلى فلسطين وانتفاضاتها، وتحرير غزة وقتالها وصمودها الأسطوري والعجائبي، إلى اليمن ولبنان والعراق وزمنها قرن وعقود.

ومن هبَّات عفوية وقتال بطولي كرد فعل عفوي، إلى الجيوش والنظم ثم إلى فصائل منظمة التحرير والأحزاب، فإلى المقاومة الإسلامية، وتستمر فيها إن جددت وارتقت أو يتجدد ويترسخ فعل المقاومة بسواها.

لن تخبو الشعلة وإن تخلف فصيل وانكفأ، وإن سقط نظام وانكسرت جهة، فكل ذلك عابر ومؤقت.

فالأمة والقضية التي جددت وطورت وارتقت في تشكيلات مقاومتها، وغيرَّت في مسارح الاشتباك، ولم تلقي السلاح ولم ترفع راية بيضاء. هي أمة ولادَّة، وستلِد جديدها الأكثر نوعية، والأهم فعلاً وأداءً وتنظيماً وتحسُباً.

الحق القومي لا يموت ولا يقبل التسويات ولا القسمة، فلا تفرحوا كثيراً يا دعاة التفريط والتصفية.

زمن المقاومة وتحرير فلسطين أزف وجارٍ، ووعد الله ووعد سيد الأمة وإمامها الشهيد السعيد وعد صادق سيتجسد.

كاتب ومحلل سياسي لبناني.

قد يعجبك ايضا