متابعات/ وكالة الصحافة اليمنية//
تتوالى المؤشرات الاقتصادية التي تُنذر بتدهور متسارع في الأداء الاقتصادي السعودي، مدفوعة بعوامل داخلية وخارجية متضافرة.
ويأتي في صدارة هذه العوامل، انخفاض أسعار النفط العالمية، وتفاقم العجز المالي، إلى جانب تزايد الاعتماد على الاقتراض الخارجي لتمويل مشاريع “رؤية 2030” الطموحة.
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة للرياض لإبراز صورة من الاستقرار والنمو الاقتصادي عبر الإعلان عن المشروعات الضخمة والاستثمارات السيادية، إلا أن الأرقام الرسمية تكشف واقعًا اقتصاديًا أكثر هشاشة، يُنذر بمخاطر مالية واقتصادية متفاقمة قد تلوح في الأفق القريب.
تضاعف العجز المالي وتراجع الإيرادات النفطية
وفقًا لبيانات وزارة المالية السعودية، بلغ العجز في الميزانية خلال الربع الثاني من عام 2025 حوالي 34.5 مليار ريال سعودي (ما يعادل 9.2 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يمثل أكثر من ضعف العجز المسجل في نفس الفترة من العام الماضي، والذي بلغ 15.3 مليار ريال.
ورغم أن هذا العجز قد انخفض مقارنة بالربع الأول من العام الجاري (الذي سجل 59 مليار ريال)، إلا أن اتساع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات يعكس اتجاهًا مقلقًا نحو فقدان التوازن المالي، خاصة مع استمرار الاعتماد الكثيف على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات الحكومية.
وفي ظل استقرار أسعار النفط العالمية عند مستوى متوسط لم يتجاوز 70 دولارًا للبرميل، تجد السعودية نفسها أمام معادلة اقتصادية صعبة: إما تقليص الإنفاق العام، مما قد يُضعف زخم المشاريع التنموية الكبرى، أو الاستمرار في سياسة الاقتراض الخارجي، وهو ما يحمل الاقتصاد أعباءً إضافية على المدى الطويل.
تراجع نشاط التنقيب عن النفط: دلالات مقلقة
في إشارة إضافية إلى التحديات التي يواجهها القطاع النفطي، أظهرت بيانات شركة “بيكر هيوز” تراجعًا ملحوظًا في عدد منصات التنقيب عن النفط في السعودية، ليصل إلى 20 منصة فقط في يوليو الماضي، مقارنة بـ46 منصة في عام 2024. ويُعد هذا أدنى مستوى يُسجل منذ عام 2005.
يأتي هذا الانخفاض في أعقاب قرار المملكة في وقت سابق من هذا العام بإلغاء خطط توسيع الطاقة الإنتاجية لشركة أرامكو من 12 إلى 13 مليون برميل يوميًا. ويعكس هذا التوجه تغييرًا في الأولويات الاستثمارية وخفضًا للإنفاق في قطاع الطاقة، مما قد يؤثر على قدرة الاقتصاد على توليد السيولة في المدى القريب ويهدد استدامة الإنفاق على المشاريع التنموية الضخمة.
سوق مالي متراجع وصندوق استثمار يعيد الهيكلة
أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” إلى أن السعودية باتت من بين أسوأ الأسواق المالية أداءً على مستوى العالم في عام 2025، في ظل تراجع الثقة وتذبذب السيولة. ويأتي هذا التراجع في الوقت الذي تتجه فيه المملكة نحو الاقتراض الدولي بوتيرة متزايدة لتمويل مشاريع “رؤية 2030″، التي تُقدَّر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات.
ولعل أبرز مؤشرات الارتباك الاقتصادي هو قرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي بإعادة هيكلة محفظته المالية وبيع جميع أصوله القديمة البالغة 1.2 مليار دولار، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبيرغ. هذا التحول، الذي يُفترض أن يكون استراتيجيًا وطويل الأجل، يُفهم منه وجود حاجة ملحة لإعادة تدوير الأصول بحثًا عن عوائد أكبر، وهو ما يضعف صورة الاستقرار المؤسسي.
وتشير بلومبيرغ إلى أن الصندوق يعتزم التحول نحو الأسواق الخاصة والاستثمار الجريء، مع تركيز على قطاعات مثل التعليم، الصحة، والصناعات. ورغم أن هذا الاتجاه يعكس طموحًا نحو تنويع مصادر الدخل، إلا أنه يُعد، في السياق الراهن، محاولة للتكيف مع تباطؤ العائدات التقليدية.
“رؤية 2030” تحت ضغط الواقع الاقتصادي
يجد برنامج “رؤية 2030″، الذي يُفترض أن ينقل السعودية من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع ومستدام، نفسه اليوم تحت ضغط مالي واقتصادي كبير. فالحكومة السعودية لم تنجح حتى الآن في تقليص الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، رغم الحديث المتكرر عن التحول الرقمي والسياحة والطاقة المتجددة.