عبدالكريم مطهر مفضل/ وكالة الصحافة اليمنية//
بينما تُسجّل 175حالة وفاة بينهم 93 طفلاً بسبب الجوع في غزة، وتُقطع المساعدات أو تُقنن بدقة عبر معابر الاحتلال، تكشف وثائق وبيانات تجارية عن استمرار تدفّق الصادرات الغذائية من عدة دول عربية إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، بعضها دول تطلق تصريحات دعم لفلسطين، لكن أفعالها تروي قصة أخرى.
مفارقة الأرقام
تُظهر بيانات التجارة الخارجية المنشورة عبر قواعد بيانات الأمم المتحدة ومنصات اقتصادية مستقلة، أن الاحتلال الإسرائيلي يستورد سنويًا كميات معتبرة من الغذاء من دول عربية، تشمل:
الحبوب (قمح، شعير، أرز)، والخضروات والفواكه الطازجة والمعلّبة، ومنتجات الألبان واللحوم المجمدة، والسكر والزيوت النباتية.
وتتصدّر دول كـ مصر والأردن والإمارات والمغرب قائمة المصدرين، بعضها عبر اتفاقيات تطبيع مباشرة، وأخرى عبر شركات وسيطة في أوروبا أو السوق الحرة، مما يعفيها رسميًا من الإدانة الشعبية.
لكن في المقابل، لا تصل هذه المنتجات – أو ما يماثلها – إلى غزة، حيث يُمنع دخول الغذاء إلا بشروط “إسرائيلية” صارمة، تُحاصر الناس حتى في لقمة الخبز، بحجّة “دواعي أمنية” أو “التوازنات اللوجستية”.
مساعدات مغلّفة بالتسويق
بعض الدول العربية تسوّق لصناديق مساعدات رمزية تُرسل إلى قطاع غزة، في حين أن حجم صادراتها لإسرائيل، بحسب محللين اقتصاديين، يفوق بعشرات المرات ما تقدّمه للفلسطينيين. هنا، يتحوّل الدعم من فعل تضامن حقيقي إلى أداة علاقات عامة، لا تغيّر شيئًا من موازين الجوع أو ملامح الموت في الشوارع، التي تقطع قلوبنا حين نشاهدها على شاشات القنوات الفضائية.
ما وراء التجارة
التحقيقات تشير إلى أن وراء استمرار التصدير إلى الاحتلال الإسرائيلي تحالفات اقتصادية وتشابكات استثمارية في قطاعي الزراعة والنقل، حيث تتحكّم شركات دولية مشتركة في حركة البضائع بين الموانئ العربية و”الإسرائيلية”، ما يُبقي التدفق نشطًا، بغضّ النظر عن موقف الحكومات من العدوان على غزة.
الأدهى، أن بعض السلع التي تُصدّر إلى الاحتلال، تُستخدم لاحقًا لتغذية جيشه ومخازنه العسكرية، بل ويُعاد تصدير جزء منها بأسعار أعلى إلى مناطق في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، دون أن يصل منها شيء إلى غزة المحاصرة.
مجاعة غزة
الواقع في غزة اليوم لا يُمكن وصفه فقط بأنه “أزمة غذاء”.. إنه نموذج صارخ لـ سياسة التجويع الممنهج، يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين كأداة حرب، وتتواطأ فيها، عن قصد أو عن صمت، أطراف إقليمية بوسائل غير مباشرة.
وقد وثّقت تقارير منظمات أممية (مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة أوكسفام) أن أكثر من 85% من سكان القطاع باتوا يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، في حين لا يحصل معظمهم على ما يغطي حاجتهم اليومية من السعرات الحرارية، وسط انهيار شبه كامل للقطاع الزراعي المحلي.
من يغذّي الاحتلال.. يُجوع غزة
لا يمكن الفصل بين ما يدخل بطون “الإسرائيليين”، وما يُحرم منه أطفال غزة.. فحين تُفتح بوابات التصدير إلى موانئ “أسدود” و”حيفا”، وتُغلق معابر كرم أبو سالم ورفح أمام شاحنات الطحين، يتبيّن أن المسألة لم تعد فقط ازدواجية في السياسات، بل نفاق استراتيجي يخدم الاحتلال ويقتل الضحية.
وإذا كانت بعض الدول العربية قد ارتضت لنفسها دور التاجر مع الجلاد، فإن الشعوب مدعوة اليوم للضغط، لا فقط بالشعارات، بل بالمقاطعة، وبفضح هذا النوع من التواطؤ الغذائي الذي يلبس قناع الحياد، بينما يُسهم في صناعة الجوع والموت.