في ظل تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، وتكشف النوايا الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه تجاه لبنان، يبرز خطاب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، ليؤكد حقيقة راسخة: أن المقاومة باقية بسلاحها، وأن جميع المحاولات الرامية إلى النيل منها ستتحطم أمام صمودها وإرادة شعبها. لم يكن خطاب الشيخ قاسم مجرد موقف سياسي عابر، بل كان بيانًا استراتيجيًا يرسخ معادلة ردع قوية ويعيد توجيه البوصلة نحو القضية الجوهرية: “تحرير الأرض وصون الكرامة”.
في خطابه، شدد الشيخ قاسم على أن سلاح المقاومة ليس تفصيلًا هامشيًا في المشهد السياسي اللبناني، بل هو جوهر الوجود المقاوم. عندما قال: “من أراد نزع سلاحنا يعني أنه يريد نزع الروح منا”، كان يلخص عقودًا من التجربة المريرة مع الاحتلال الإسرائيلي. فمنذ الاجتياح عام 1982، لم يكن للبنان أن يتحرر عام 2000 أو يصمد في حرب تموز 2006 لولا هذا السلاح، الذي تحاول بعض الأطراف الداخلية والخارجية اليوم وصفه بأنه عبء. بالنسبة للمقاومة، السلاح ليس عبئًا، بل هو صمام الأمان الوحيد في وجه أطماع الاحتلال الذي لا يزال يحتل أراضي لبنانية ويشن اعتداءات متكررة.
الحكومة والإملاءات الخارجية
وضع الشيخ نعيم قاسم الحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتها، محذرًا من أن قرارها بالسير في مشروع نزع سلاح المقاومة هو “القرار الخاطئ” بامتياز؛ لأنه جاء استجابة للإملاءات الأميركية والإسرائيلية. بهذا الموقف، أعاد التأكيد على أن السيادة لا تتجزأ؛ فحكومة تتخلى عن سلاح المقاومة تحت الضغط الخارجي لا يمكن اعتبارها أمينة على حماية لبنان. بل إن استجابتها لمطالب الاحتلال، ولو بغطاء دولي، تعني عمليًا التخلي عن الدفاع عن الوطن والتفريط بأمنه القومي.
عندما يقول الشيخ قاسم: “من أراد نزع سلاحنا يعني أنه يريد نزع الروح منا، وعندها سيرى العالم بأسنا”، فهو لا يطلق تهديدًا عابرًا، إنما يضع معادلة ردع جديدة موجهة إلى كل من يفكر بالمساهمة في هذا المشروع، سواء كان خارجيًا أم داخليًا.
الرسالة واضحة: المقاومة لن تسمح بأن يُسلب سلاحها، وإذا فُرضت عليها مواجهة، فلن تكون في موقع الدفاع بل في موقع الهجوم وإظهار القوة.
قلب الطاولة: خريطة الطريق الحقيقية
الأهم في خطاب الشيخ نعيم قاسم أنه لم يكتفِ برفض الطرح المطروح، بل قدّم خريطة طريق بديلة تنطلق من الثوابت الوطنية؛ فبدلًا من أن تكون خريطة الطريق نزع سلاح المقاومة، جعلها خريطة طريق التحرير والسيادة، محددًا أربع خطوات أساسية:
- الخروج من الأراضي اللبنانية المحتلة.
- وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان.
- الإفراج عن الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال.
- إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي.
بهذه النقاط الأربع، وضع الشيخ المعادلة الصحيحة: ليس المطلوب من المقاومة أن تتخلى عن سلاحها، بل المطلوب من الاحتلال أن يتوقف عن عدوانه. وعندها، يمكن أن يُفتح النقاش الوطني حول مستقبل السلاح. هذا الطرح لا يقطع الطريق فقط على الحملات الداخلية والخارجية، بل يُعيد توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي: “إسرائيل”.
رسالة إلى الحاضنة الشعبية
الخطاب أيضًا كان موجهًا إلى القاعدة الشعبية للمقاومة، ليؤكد لها أن سلاحها بأيدٍ أمينة ولن يُسلم مهما كانت الضغوط. وفي ظل الحديث عن أزمات اقتصادية خانقة ومحاولات تصوير المقاومة على أنها عبء على الشعب، جاء كلام الشيخ ليعيد الطمأنينة إلى جمهور المقاومة بأن خيارها ثابت، وأن السلاح الذي حرر الجنوب وصمد في وجه الحروب لن يُترك ليتحول إلى ورقة مساومة على طاولة تفاوض خارجي.
لم يكن الخطاب مجرد رد على تصريحات إسرائيلية أو قرارات حكومية، بل كان إعلانًا لموقف استراتيجي. المقاومة وضعت معادلة واضحة: السلاح خط أحمر، وأي محاولة للمساس به هي إعلان حرب على لبنان. الحكومة اللبنانية مطالبة بأن تتراجع عن قرارها إن أرادت الحفاظ على شرعيتها، وإلا فإنها ستكون في مواجهة مع الشعب قبل أن تكون في مواجهة مع المقاومة.
أما للاحتلال الإسرائيلي، فقد وصلت رسالته: لن تكون هناك استباحة للبنان ما دام سلاح المقاومة حاضرًا. إنه خطاب تثبيت وتحدٍ في آن واحد، خطاب يرفع المعنويات في زمن التحديات الكبرى، ويؤكد أن المقاومة باقية ما بقي الاحتلال، وأن لبنان سيظل عصيًا على التدجين والإملاءات.