المصدر الأول لاخبار اليمن

فضيحة الـ30 مليون.. كيف تحوّلت العملة اليمنية إلى ‘معروضات’ في هونغ كونغ؟

المحافظات المحتلة | وكالة الصحافة اليمنية

في دراما جديدة من مسلسل العبث بالمال العام، كشّف الاتحاد المدني لمكافحة الفساد، عن وثائق لعملية مثيرة للجدل، حيث تم إخراج مبلغ 30 مليون ريال يمني من خزائن البنك المركزي في عدن، لا لضخها في شرايين الاقتصاد المنهك، بل لتعرض في معرض لهواة جمع العملات في هونغ كونغ. هذه الخطوة مثلت صدمة كشفت عن استخفاف خطير بالمسؤولية، ووضعت علامات استفهام كبرى حول مصير الثروة الوطنية في ظل سطوة حكومة عدن الموالية للتحالف.

 

أرقام تروي حكاية العبث

في 3 مارس 2025، خرجت وثيقة رسمية من البنك المركزي في عدن، موقعة من المحافظ نفسه، تحمل قراراً بالموافقة على سحب 30 مليون ريال يمني بطبعتها الجديدة. كان الهدف المعلن هو “المشاركة في معرض دولي للعملات” في هونغ كونغ. لكن تحليل البيانات الرقمية يفكك هذه الرواية الرسمية. المبلغ الذي تم تجهيزه فعلياً كان 38.5 مليون ريال، ثم تقلص ليصبح 30 مليوناً فقط خرجت من الخزائن. اللافت للنظر هو أن معظم المبلغ، وتحديداً 32 مليون ريال، كان من فئة المئة ريال، أي ما يعادل 320 ألف ورقة نقدية جديدة. هذه الأرقام، التي كان من المفترض أن تساهم في تخفيف الضغط النقدي، تحولت فجأة إلى مجرد “معروضات” في حدث تجاري.

 

سخرية الواقع

تتجاوز القضية الأرقام لتلامس واقعاً أكثر مرارة. فمعارض العملات الدولية، مثل معرض هونغ كونغ، ليست مسرحاً لعرض الأوراق النقدية الحديثة التي لا تحمل أي قيمة تاريخية أو ندرة. هي أماكن للمقتنيات الأثرية التي تروي حكاية حقب زمنية. مشاركة البنك المركزي اليمني في مثل هذا المعرض، بطلب من مجرد “هاوٍ لجمع العملات”، يضع مصداقية المؤسسة المالية العليا في مهب الريح. أي مسؤولية هذه تسمح لشخص غير رسمي بالتصرف بملايين الريالات، وكأنها عينة خاصة أو قطعة تذكارية؟

هذه الخطوة، التي جاءت في وقت تعاني فيه العملة اليمنية من انهيار غير مسبوق، تشكل إهانة حقيقية للمواطن اليمني الذي يرى مدخراته تتبخر أمام عينيه. الأوراق النقدية التي كان يجب أن تكون وسيلة للحياة اليومية، أصبحت مجرد قطع للعرض. هذه ليست فقط فضيحة إدارية، بل هي تعبير عن حالة من الانفصال التام بين المسؤولين وواقع الشعب الذي يتجرع مرارة الأزمة الاقتصادية. كل ورقة نقدية خرجت من الخزينة بلا مبرر واضح، كانت بمثابة خصم من ثقة الناس في مؤسسات الدولة، وتكريسٍ لفكرة أن المال العام هو مجرد حبر على ورق يمكن العبث به.

 

مطالبات بالمساءلة

في خضم هذا المشهد الدرامي، يطالب الاتحاد المدني لمكافحة الفساد، بوضوح، محافظ البنك المركزي “المعبقي” بتقديم إيضاح رسمي وشامل يكشف عن تفاصيل هذه العملية، ويحدد هوية الشخص الذي طلبها، ويبرر أسباب إخراج هذا المبلغ بهذه الطريقة. كما يدعو إلى نشر الوثائق للرأي العام، تأكيداً على مبدأ الشفافية الذي يبدو أنه بات غريباً على قاموس حكومة عدن.

تساؤلات الاتحاد المدني ظهرت حادة ومباشرة: هل كانت هذه المشاركة الفنية ذات جدوى اقتصادية حقيقية أم أنها كانت مجرد غطاء لتمرير عملية مشبوهة؟ ولماذا لم يتم الاكتفاء بعينات رمزية لتمثيل الفئات النقدية بدلاً من هذا الكم الهائل؟ هذه الأسئلة تظل معلقة، منتظرة إجابات شفافة تكشف عن خيوط  ما وراء هذه الفضيحة، وتحدد المسؤوليات، فالثروة الوطنية ليست مادة للعرض في قاعات المعارض، بل هي أمانة لا تقبل التجميل أو الغموض.

قد يعجبك ايضا