في تطور نوعي جديد على مسرح الأحداث في غزة، بثت كتائب القسام شريطاً مصوراً يظهر فيه الأسير الإسرائيلي جاي دلال، في سيارة تجوب شوارع المدينة المدمرة في مشهد حمل رسالة بليغة ودقيقة، تحمل أبعاداً عسكرية وسياسية ونفسية موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، وإلى الرأي العام الدولي، وسكان غزة.
فيديو: الأسير الإسرائيلي جاي دلال يجوب شوارع غزة
#شاهد| كتائب القسام تنشر:
“اعتقدنا أننا أسرى لدى حماس؛ لكن الحقيقة أننا أسرى لدى حكومتنا لدى نتنياهو وبن غفير وسموترتش”
الوقت ينفد…
הזמן אוזל..
Time Is Running Out… pic.twitter.com/7ZH2p6Q3Dn— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) September 5, 2025
رسائل عسكرية ودلالات السيطرة
الفيديو، الذي أُطلق بعد مرور 22 شهراً على بدء الحرب الصهيونية على غزة، يضرب في الصميم الرواية التي يسوقها كيان الاحتلال الإسرائيلي حول “تدمير بنية حماس” و”السيطرة الكاملة” على القطاع.
فمشهد أسير يتجول في وضح النهار، وصولاً إلى مبنى معروف مثل مقر الصليب الأحمر، يؤكد أن المقاومة ما زالت تتمتع بحرية الحركة والتوثيق، بل وتوجيه الرسائل من قلب المدينة التي عانت سياسة “الأرض المحروقة”.
هذه القدرة على المناورة تثير تساؤلات جدية حول حقيقة ادعاءات جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة، وتكشف عن حقيقة أن المعركة لا تزال مستعرة.
حرب نفسية على “الداخل الإسرائيلي”
أحد أبرز أهداف ورسائل فيديو حماس هو التأثير في الشارع الإسرائيلي الذي يعد من أكثر الشرائح حساسية تجاه قضية الأسرى، و اختيار الأسير جاي دلال لكلماته لم يكن عشوائياً؛ فعبارة “نحن أسرى لدى حكومتنا أكثر من أسرنا لدى حماس” تستهدف بشكل مباشر رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو، وتوجه ضربة قوية إلى الثقة الهشة أصلاً بين الجمهور وقيادته السياسية.
هذه الرسالة تكشف عن حجم المعضلة التي يواجهها تيار اليمين المتطرف: إنها محاصرة بين ضغط الشارع المطالب بعودة الأسرى، وبين سياسات التعنت التي تنتهجها.
المقاومة هنا تستخدم الأسرى كأداة ضغط داخلية، مدركة أن أي إخفاق في إعادتهم سيشعل موجة احتجاجات واسعة، وقد يزيد من الشرخ القائم أصلاً بين القيادة والجمهور. كما أن توجيه دلال اتهامات مباشرة لنتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يزيد من زخم المعارضة ويمنحها ذخيرة سياسية ثمينة لاستثمارها ضد الحكومة التي تواجه أزمة ثقة غير مسبوقة.
توقيت دقيق ورسالة تحذيرية
التوقيت الذي اختارته المقاومة لنشر هذا الفيديو كان دقيقاً وحاسماً؛ إذ جاء قبل إعلان القناة 14 العبرية عن قرب بدء عملية عسكرية واسعة. هذا التوقيت يكشف عن استراتيجية استباقية واضحة تهدف إلى إيصال رسالة تحذيرية مفادها: “إذا تقدمتم، سيموت الأسرى”. إنها محاولة لردع أي عملية برية محتملة، أو على الأقل رفع كلفة أي توغل قادم.
كما أن تأكيد الأسير “دلال” على أنه وزملاءه لن يغادروا مدينة غزة، يشير إلى أن أي هجوم واسع قد يعني مواجهة مباشرة في مناطق يحتجز فيها الأسرى، ما يضع القيادة في الاحتلال الإسرائيلي أمام معضلة استراتيجية مركبة: فإما أن تواصل الهجوم وتخاطر بمقتل الأسرى وتفاقم السخط الداخلي، أو أن تبحث عن صفقة تبادل تحت وطأة الضغط السياسي الداخلي.
دلالات إنسانية ورمزية
الفيديو لا يخلو من بعد إنساني عميق؛ فهو يعكس معاناة مزدوجة: معاناة الأسرى الأجانب من جهة، ومعاناة سكان غزة من جهة أخرى، فإشارة الأسير دلال إلى سياسة التجويع التي يتعرض لها المدنيون، تضع جيش الاحتلال في موضع الاتهام وتكشف عن ممارساته اللاإنسانية.
أما ظهور الأسرى فوق سطح الأرض، فهو رسالة فاعلة توحي بقدرة المقاومة على إظهارهم متى شاءت، وأن أي استهداف قد يطالهم لن يكون إلا بفعل جيش الاحتلال نفسه، هذا المشهد يقلب الطاولة على رواية الاحتلال ويحمل مسؤولية أي ضرر قد يلحق بالأسرى مباشرة للقيادة في كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويؤكد على أن المقاومة قادرة على إدارة معركة معقدة تشمل الجوانب العسكرية والنفسية والإعلامية بمهنية عالية.
الخلاصة هي أن هذا الفيديو لم يكن مجرد مادة دعائية، بل كان رسالة عملياتية وسياسية من الطراز الأول، تؤكد أن المقاومة لا زالت فاعلة، وأن الحسم لن يأتي دون ثمن، وأن كل تأخير في الحسم يزيد الضغط الداخلي على حكومة الكيان المؤقت، ويمنح المقاومة هامشاً أكبر للمناورة.
الأيام القادمة ستحدد ما إذا كانت تل أبيب قادرة على إدارة هذه المعضلة الاستراتيجية التي فرضتها عليها المقاومة، أم ستجد نفسها مضطرة لاحقاً إلى صفقات كبيرة ومؤلمة.