اتفاق شرم الشيخ: هل يفتح باب “السلام” أم نافذة لمرحلة جديدة من التوتر؟
القاهرة – شرم الشيخ | وكالة الصحافة اليمنية
مع اقتراب دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، تحول المشهد الإعلامي من متابعة العمليات العسكرية إلى تحليل الدوافع التي أجبرت الطرفين، وخاصة جانب الاحتلال الاسرائيلي، على القبول بالتفاوض. يجمع الخبراء والمتابعين على أن الاتفاق يجبر الاحتلال على اعتراف مؤلم بقوة بالضغط العالمي ويزيد من وطأة العزلة الاستراتيجية غير المسبوقة التي بات يعيشها.
الضغط الأمريكي يفصل في النتيجة
تُشير التقارير والتحليلات إلى أن القرار النهائي لوقف إطلاق النار اتخذ في واشنطن. وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشف عن سر هذا التحول بقوله المباشر لنتنياهو: “إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم”.
هذا التصريح، الذي اعتبره محللون جوهر القصة، يؤكد أن الاحتلال وُضع في مأزق لم يستطع الخروج منه. وأن الضغط الأمريكي لم يكن سوى انعكاس لعزلة دولية متفاقمة. ففي أوروبا، تُظهر مشاهد اعتقال بريطانيين مسنين يتظاهرون دعماً لغزة. وكما يشير محللون، فإن شعوب العالم قد “لفظت إسرائيل” وأصبحت تنظر إليها كـ “كيان منبوذ”.
هذا البؤس في الوضع العالمي، دفع صهاينة أمريكا أنفسهم للضغط على ترامب لإنجاز الاتفاق خوفاً من تداعيات استمرار الحرب على مستقبل “الكيان”.
صمود المقاومة يقلب المعادلة
وبينما كانت واشنطن تدفع لإنهاء الحرب، كانت المقاومة الفلسطينية تُرسّخ موقعها التفاوضي على الأرض. فبعد عامين من الحرب، أكدت حركة حماس التوصل إلى اتفاق يقضي بـ “إنهاء الحرب وانسحاب الاحتلال ودخول المساعدات وتبادل الأسرى”.
ويرى المحللون أن الاحتلال لم يكن ليجلس على طاولة المفاوضات مع المقاومة، برعاية قوى عظمى ووسطاء إقليميين، لولا إثبات الأخيرة أنها تملك “ما تضعه على الطاولة”، وأنها خرجت من الصراع وهي “منتصرة، أو على الأقل متعادلة”. مؤكدين أن هذا المشهد يؤكد الفشل التام للتهديدات السابقة بـ “القضاء على حماس”، إذ انتهى الأمر بالتوقيع معها على طاولة واحدة، لتتحقق الأهداف “بالطريقة الفلسطينية”، والنتيجة ذاتها يخلص إليها عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد الفرح في منشور له على منصة “X”.
بسم الله الرحمن الرحيم
تصريح صحفي
• بعد مفاوضات مسؤولة وجادّة خاضتها الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية حول مقترح الرئيس ترامب في شرم الشيخ، بهدف الوصول إلى وقف حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزّة؛ تعلن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التوصّل إلى اتفاق…— محمد الفرح (@MohammedAlfrah) October 8, 2025
في السياق، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أسامة حمدان، إنَّ الاتفاق الذي وافق عليه الطرفان هو وقف نهائي للحرب على غزة، مشدداً على أنه لن يجري تبادل الأسرى إلا إذا أعلن اتفاق يقضي بإنهاء الحرب.
وأكد حمدان في تصريح صحفي، اليوم الخميس، أنَّ النقطة الأساس في هذا الاتفاق هي وقف الحرب على قطاع غزة.
وأشار إلى أنَّ الوسطاء قدموا ضمانات بأن كيان العدو لن يخرق الاتفاق، مضيفاً أنَّ “الوسطاء تركوا إعلان وقف إطلاق النار للطرف الأميركي”.
وأوضح أنَّ وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ بعد تصديق حكومة كيان العدو “الإسرائيلي”، مؤكداً أنه من المفترض أن ينسحب جيش العدو من مدينة غزة والشمال ورفح وخانيونس.
وحول تفاصيل المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، ذكر حمدان أنه “سيفرج العدو عن 250 من أصحاب المؤبدات و1700 من أسرى غزة”.
وتابع “وضعنا أسماء الأسرى القادة جميعا في قائمة المطلوب الإفراج عنهم”. وبما يتعلق بآلية توزيع المساعدات، أفاد حمدان بأن الوكالات الدولية ستشرف على عملية توزيع المساعدات وليست مؤسسة غزة الإنسانية، مشيراً إلى أن الاتفاق يشمل أن تفتح 5 معابر لدخول المساعدات إلى قطاع غزة بمعدل 600 شاحنة يوميا.
ولفت إلى أنَّ المرحلة الأولى ستلبي أهم مطلب للشعب الفلسطيني وهو وقف العدوان على قطاع غزة.
وتابع “طالبنا بوقف عمليات الطيران المسيّر في أجواء القطاع لتنفيذ عملية تسليم الأسرى”. وشدد حمدان على أنَّ إدارة قطاع غزة شأن وطني ولن نسمح بأي تدخل خارجي، مؤكداً أنه “من يريد أن يساعد شعبنا فليفعل ذلك بعيدا عن سيناريوهات الانتداب والوصاية”.
وأوضح أنَّ الفصائل قدمت مقترحا من 40 اسما لتولي مسؤولية إدارة قطاع غزة، مؤكداً أن إدارة غزة يجب أن تكون من شخصيات وطنية فلسطينية من دون تدخل “إسرائيلي”.
اعتراف الخصم وتغيير موازين التاريخ
قوة الاتفاق لا تكمن في نصوصه، وإنما في الاعترافات الصادرة من الداخل الإسرائيلي. فقد أكد المراسل العسكري لصحيفة “معاريف”، آفي أشكنازي، اعترافه بأن الحرب بدأت بـ “أقسى هزيمة عسكرية تتلقّاها دولة إسرائيل منذ قيامها”، وأن تنظيماً مسلحاً “لم يُنظر إليه كقوة كبيرة” نجح في تغيير واقع استراتيجي.
هذا الاعتراف يُترجم سياسياً إلى تحليل محللين إسرائيليين، نقلاً عن يديعوت أحرنوت، بأن ما حدث “ليس نصراً عسكرياً لإسرائيل، وإنما مكسباً سياسياً لحماس”، مشيرين إلى أن حكومة نتنياهو فقدت البوصلة وخسرت معركة الوعي الدولي.
اليقظة ومستقبل المشروع
لقد أدت هذه الحرب إلى تغيير جذري في الوعي، حيث يرى ناشطون فلسطينيون وعرب أن “طوفان الأقصى” قد كتب “بداية النهاية للمشروع الصهيوني”، وجعل قضية غزة أيقونة عالمية للصمود.
وكما أشار عضو المجلس السياسي الاعلى بسلطات صنعاء، محمد علي الحوثي، إلى أن الثقافة القرآنية كانت جوهر صمود الشعب اليمني الداعم للقضية.
مقتطفات من اللقاء التلفزيوني مع قناة المسيرة في ذكرى السابع من أكتوبر
العام الثاني من انطلاقة #طوفان_الأقصى pic.twitter.com/InJieQNhh3— محمد علي الحوثي (@Moh_Alhouthi) October 8, 2025
لكن النصر السياسي لا يلغي المخاطر المستقبلية. فقد حذرت الناشطة الأمريكية ميديا بنيامين من أن الخوف الأكبر هو أن يستغل “الاحتلال” الاتفاق لتأمين إطلاق سراح الرهائن، ثم يتهرب من التزاماته ويستأنف حربه، داعية إلى “غضب عالمي” لضمان إلزام الاحتلال بتنفيذ الاتفاق كاملاً.
يبقى المشهد مفتوحاً على مرحلة جديدة، أكدت فيها غزة صمودها الأسطوري، ونجحت في تحويل مسار التاريخ في وجه أعتى الضغوط العسكرية والسياسية.