المصدر الأول لاخبار اليمن

الخروقات السعودية على حدود اليمن الشمالية.. جرائم يومية تستنزف الحياة بتواطؤ دولي

تحليل| عبدالكريم مطهر مفضل| وكالة الصحافة اليمنية

على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، تواصل قوات حرس الحدود السعودي ارتكاب خروقات صارخة ضد المدنيين في المناطق الحدودية شمال اليمن بمحافظة صعدة. وكشفت إحصائيات حديثة صدرت عن السلطات الأمنية في محافظة صعدة، الأثنين الماضي، تسجيل 76 خرقًا خلال 30 يومًا فقط، ما يعكس استمرار التصعيد العسكري وتجاهلاً للمعايير الإنسانية والدولية.

وأمام ذلك، يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تقف خلف هذه الهجمات المتواصلة، التي تُسفر في كل مرة عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وعن المسؤولية القانونية التي يتحملها المتورطون في هذه الانتهاكات.

هذا التحليل يتناول أبعاد هذه الخروقات العسكرية وتأثيراتها على السكان المحليين، إضافة إلى البحث في دور المجتمع الدولي في متابعة هذه الانتهاكات إلى جانب استعراض تفاصيل هذه الخروقات وما ينتج عنها من مآسٍ إنسانية، ويُسلّط الضوء على الوضع الأمني في صعدة في ظل استمرار التصعيد العسكري السعودي.

 

استهداف ممنهج للمدنيين

كشف تقرير صادر عن أمن محافظة صعدة عن تفاصيل دقيقة حول الخروقات التي ارتكبتها القوات السعودية خلال شهر واحد.

وفقًا للإحصائيات اليمنية الرسمية، تم توثيق 24 حالة قصف مدفعي استهدفت القرى والمناطق السكنية في المناطق الحدودية، كما أشار التقرير إلى 51 حالة إطلاق نار مباشر من قبل حرس الحدود السعودي، أما الاعتداءات الجوية، فقد تم توثيق حالة واحدة تم خلالها قصف مواقع مدنية في المنطقة الحدودية، وقد أدت تلك الخروقات إلى استشهاد 14 مدنياً وإصابة 65 آخرين.

لم تكن هذه الهجمات مجرد حوادث عابرة، بل تمثل سلسلة متواصلة من الانتهاكات التي تُشكل تهديداً مستمراً على حياة المدنيين في المنطقة.

هذه الأرقام لا تعكس فقط حصيلة الخسائر البشرية، بل تعكس أيضًا أسلوبًا متعمدًا في استهداف السكان العزل، في خطوة يحتمل أنها تهدف إلى توجيه رسالة سياسية أو عسكرية في إطار الحرب المستمرة على اليمن من قبل دول التحالف.

 

الضحايا: بين القصف المدفعي وإطلاق النار المباشر

على المستوى الإنساني، فقد أسفرت هذه الخروقات عن استشهاد 14 شخصًا وجرح 65 آخرين خلال الثلاثين يوماً الماضية.

وقد تركزت الخسائر في إطلاق النار المباشر من قبل حرس الحدود السعودي، وقد أدت تلك العمليات إلى استشهاد 8 مواطنين، فيما أصيب 44 آخرون بإصابات جسيمة.

أما القصف المدفعي، فقد أوقع 6 شهداء و21 جريحًا، معظمهم في حالة صحية حرجة، ما يعكس حجم الأضرار الجسدية التي يعاني منها المدنيون جراء هذه الهجمات.

وتكمن الكارثة الإنسانية في أن معظم الضحايا من المدنيين الأبرياء الذين لا يملكون سوى القليل من القدرة على الفرار من نيران القصف والرصاص، ما يعزز من فرضية أن هذه الهجمات تستهدف ترويع السكان وإرهاقهم نفسياً وجسدياً.

 

الأدلة والشهادات

تأتي هذه الجرائم في وقت حرج، حيث يتم تسجيل العديد من الاتهامات ضد السلطات السعودية فيما يخص انتهاكات الجيش السعودي لحقوق الإنسان على الحدود اليمنية السعودية.

في سياق هذه الجرائم، يبرز تساؤل حول المسؤولية الدولية عن تصعيد الوضع في المناطق الحدودية.

وقد نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرًا في 31 أغسطس 2023 يشير إلى أن قوات الحدود السعودية متهمة بقتل مئات الأشخاص الذين حاولوا عبور الحدود، وعلى وجه الخصوص المهاجرين الأفارقة.

وفقًا للتقرير، تلقت هذه القوات تدريبًا من قبل ألمانيا والولايات المتحدة، ما يثير العديد من الأسئلة حول مسؤولية هذه الدول في تعزيز الانتهاكات ضد المدنيين في اليمن، ما يضع هذه الجرائم في إطار التواطؤ الدولي.

تقول د. أم كلثوم باعلوي، الممثل الدائم لليمن في الأمم المتحدة ومنسقة في منظمة بريطانية مدنية معنية برصد انتهاكات التحالف على اليمن: “إذا ثبت أن دولاً أو جهات قدمت تدريباً أو دعماً لوحدات ثبت تورطها في انتهاكات ضد المدنيين، فسنكون أمام احتمال مسؤولية مشتركة.. وربما تدخل في نطاق المشاركة القانونية في الجريمة بموجب القانون الدولي.”

 

مسرح للمجازر المتكررة

منطقة “الرقو” في مديرية منبه بمحافظة صعدة شهدت سلسلة من المجازر بحق المدنيين اليمنيين، حيث كانت القوات السعودية تتعمد استهداف المواطنين العزل دون أدنى اعتبار للقوانين الدولية أو الإنسانية.

كما قامت السلطات السعودية بمنع خروج جثامين الضحايا من أراضيها، مما يثير تساؤلات حول المحاولات المستمرة لإخفاء الأدلة على ارتكاب هذه الجرائم.

يقول “أبو محمد” مسؤول محلي في المديرية: “الغريب أن قوات الحدود السعودية لا تستهدف فقط عابري الحدود، بل السكان المدنيين داخل اليمن.. الحقول والمنازل وحتى الأسواق لم تسلم من القصف.”

 

معاناة مستمرة

تستمر هذه الخروقات في التأثير بشكل كبير على الحياة اليومية في المناطق الحدودية لمحافظة صعدة. حيث لم تقتصر التأثيرات على الجرحى والشهداء فقط، بل تشمل أيضًا حالة من الذعر والخوف تسود بين السكان المدنيين.

يضطر العديد من الأهالي إلى مغادرة منازلهم خوفاً من الهجمات المتواصلة، فيما يعجز كثيرون عن الحصول على العلاج بسبب تدمير البنية التحتية في المنطقة.

يقول “فيصل مسرع” أحد النشطاء من أبناء المناطق الشمالية بمحافظة صعدة: “نسمع القذائف أكثر مما نسمع خطوات الأطفال في الشوارع.. كثير من الجرحى لا نستطيع نقلهم فورًا بسبب كثافة رصاص القناصة، بعض العائلات تفكر بالرحيل عن أرضها لأول مرة منذ عقود.”

 

الإفلات من العقاب

تستمر القوات السعودية في انتهاك حقوق الإنسان في المناطق الحدودية، بما يتناقض مع القانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المدنيين. هذه الهجمات تأتي في وقت يُفترض فيه أن تحترم الأطراف المتحاربة اتفاقيات جنيف، التي تحمي المدنيين في فترات النزاع.

وفي المقابل، لا يزال المجتمع الدولي غافلاً عن هذه الجرائم، مما يثير علامات استفهام حول قدرة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية على الضغط على السعودية لإيقاف هذه الممارسات المروعة.

في ظل تصاعد هذه الانتهاكات، يطرح السؤال الأهم: أين هو دور المجتمع الدولي في محاسبة الأطراف المسؤولة عن انتهاك حقوق الإنسان؟ يتساءل الكثيرون عن مدى قدرة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية على الضغط على السعودية لإيقاف هذه الهجمات.

وعلى الرغم من أن القانون الدولي يشدد على ضرورة حماية المدنيين في حالات النزاع، إلا أن المتابعين يؤكدون أن المجتمع الدولي فشل في اتخاذ خطوات جادة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الخروقات.

تقول أم كلثوم باعلوي: “قدّمنا تقارير موثقة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لكن ردود الفعل كانت باهتة. يبدو أن الملف الحدودي اليمني لا يحظى بالأولوية الدولية إلا عندما يحمل أبعاداً سياسية كبرى.”

 

واقع مأساوي

إن ما يحدث على حدود اليمن الشمالية لا يُعد مجرد خروقات عسكرية، بل ديناميكية عدوان تتطور بصمت تحت شماعة “محاربة التهريب” هو بمثابة محاولة ممنهجة لقتل الآمال والحياة في هذه المناطق.

تشير الوقائع والتحليلات إلى أن ما يحدث في صعدة جرائم حرب ضد الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة.

ضحايا مدنيون يسقطون كل شهر، ومجتمع دولي يراقب من بعيد، بينما تُطرح أسئلة أكبر: من يحاسب الفاعلين؟، ومن يحمي السكان؟، وكيف تُحفظ الوثائق والمعلومات من الضياع قبل أن تتحول إلى مجرد أرقام بلا وجوه؟

في ظل ذلك، يبقى صوت الضحايا هو الأضعف. لكنه لا يزال قائمًا، بانتظار من يسمعه، ومن يضع حداً لهذه الجرائم الإنسانية.

قد يعجبك ايضا