ما وراء إعلان ترامب: صنعاء تحتفظ بورقة التصعيد و”إسرائيل” تستشعر الخذلان
تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف الهجمات العسكرية على اليمن، مقابل موافقة صنعاء بوقف استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، ليكشف حجم التعقيد الذي وصلت إليه واشنطن في إدارتها للمواجهة البحرية مع قوات صنعاء.
لكن ما بدا تصريحًا دبلوماسيًا سرعان ما تحوّل إلى كرة نار داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، فيما تعاملت صنعاء معه بحذر مدروس، دون أن تمنح الأميركيين صكّ طمأنة مجاني.
صنعاء: الهدنة لا تعني الخضوع
أول الردود جاءت من رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبدالسلام، الذي لم يُظهر حماسة لإعلان ترامب، مكتفيًا بالإشارة إلى أن الموقف الأميركي “لا يزال قيد التقييم”، ورافضًا اعتباره تحولًا جديًا في السلوك، ما لم ينعكس على الأرض بشكل فعلي.
وأكد عبدالسلام أن المعيار الحقيقي لأي وقف للعدوان هو الأفعال، لا الأقوال، في إشارة إلى فقدان صنعاء الثقة بالتعهدات الأميركية بعد تجارب مريرة خلال السنوات الماضية.
الأهم من ذلك، أن عبدالسلام حرص على فصل التفاهمات الأولية مع الأميركيين عن موقف صنعاء تجاه غزة، مؤكدًا أن الدعم اليمني للمقاومة الفلسطينية “غير قابل للمساومة”، وأن العدوان الأميركي لم يكن سوى محاولة فاشلة لحماية الكيان الإسرائيلي.
المشاط: ردّنا سيكون “مزلزلًا”
وفي لهجة أكثر حدة، اعتبر رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط، أن إعلان ترامب يؤكد أن “الضربات اليمنية كانت موجعة”، متوعدًا بتصعيد الرد إذا ما استُؤنف العدوان.
ووجّه المشاط تحذيرًا علنيًا إلى “الصهاينة”، داعيًا إياهم إلى الالتزام بالملاجئ أو مغادرة فلسطين المغتصبة، لأن “الحكومة الإسرائيلية لن تتمكن من حمايتهم بعد اليوم”.
المشهد من صنعاء يؤكد أن قرار التهدئة مع الولايات المتحدة لا يعني تراجعًا، بل إعادة تموضع تكتيكي في انتظار اتضاح النوايا الأميركية، مع احتفاظ صنعاء بكامل القدرة على استئناف الضربات في حال حدوث خرق.
من الميدان إلى التفاوض: واشنطن تتراجع
المفارقة أن التحول في الموقف الأميركي لم يكن نتيجة وساطة معلنة أو تغيير في الواقع السياسي، بل جاء بعد أشهر من الإخفاق العسكري الأميركي في البحر الأحمر، وتلقي قطعها البحرية ضربات قاسية.
هذه المفاوضات، التي لم يكن كيان الاحتلال الإسرائيلي طرفًا فيها أسفرت عن تفاهم مبدئي، يُفسَّر في واشنطن كخطوة لاحتواء الأزمة، ويُقرأ في صنعاء كإقرار من قبل واشنطن بفشل الرهان العسكري، فيما جاء كالصاعقة على كيان الاحتلال.
مؤشرات الانسحاب: هزيمة ميدانية
بالنظر إلى الوقائع الميدانية خلال الشهور الماضية، يتضح أن الولايات المتحدة لم تنجح في تحييد صنعاء أو ردعها، رغم تنفيذ عشرات الغارات الجوية واستهداف بنى تحتية مدنية.
وعلى العكس من ذلك، توسعت عمليات قوات صنعاء لتشمل ضربات نوعية ضد حاملات طائرات أميركية وسفن حربية في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن فرض حصار جوي على كيان الاحتلال الإسرائيلي.
هذه التطورات جعلت الكثير من المراقبين يرون في إعلان ترامب انسحابًا سياسيًا وعسكريًا غير معلن، أو حتى اعترافًا بفشل استراتيجي أميركي في مواجهة طرف غير تقليدي نجح في تعديل قواعد الاشتباك.
واشنطن تتخلى عن الحليف
في كيان الاحتلال الإسرائيلي، كان وقع إعلان ترامب أشبه بالصاعقة، إذ اعتبر الإعلام العبري أن وقف الهجمات الأميركية على اليمن “خبر سيئ للغاية”، كما نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية عن مسؤول أمني رفيع.
أما صحيفة يديعوت أحرونوت فقد وصفت التطور بأنه “تجاوز فج لإسرائيل”، مشيرة إلى أن ترامب لم يذكر “تل أبيب” مطلقًا في بيانه، رغم أن “السفن الإسرائيلية هي الهدف الثاني في البحر الأحمر بعد الأميركية” حسب تعبيرها.
وعلى ما يبدو أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تخشى من أن تكون واشنطن قد عقدت صفقة مؤقتة تحمي بها سفنها وتترك نظيرتها “الإسرائيلية” لمصيرها.
إلغاء ترامب زيارته إلى كيان الاحتلال زاد الطين بلّة، اعتبره البعض مؤشرًا واضحًا على الفتور المتنامي في العلاقة بين الحليفين بعد انسحاب واشنطن من الحرب على اليمن، يأتي ذلك في وقت تسعى فيه حكومة الاحتلال لترتيب لقاءات عاجلة في واشنطن لاحتواء الموقف.
زمن التفرد الأميركي انتهى
إجمالاً، سواء كان الإعلان الأميركي تعبيرًا عن هزيمة سياسية وعسكرية، أو مناورة ظرفية لالتقاط الأنفاس، فإن الثابت هو أن صنعاء فرضت نفسها كفاعل عسكري حقيقي في الإقليم، وأعادت رسم الجغرافيا السياسية والاستراتيجية للمنطقة، بحيث لم تعد واشنطن قادرة على التحرك بحرية دون حسابات الرد اليمني.
ماذا بعد؟