إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قيود شاملة جديدة تمنع الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة من دخول الولايات المتحدة، يمثل خطوة تصعيدية تضاف إلى رصيد سياساتها تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. هذه الإجراءات، التي بدأ تطبيقها مؤخرًا، وتستهدف بشكل أساسي حاملي وثائق السفر الفلسطينية، مما يغلق الأبواب أمامهم للسفر بهدف العلاج الطبي، أو الدراسة، أو حتى زيارة الأقارب.
تقارير صحفية، كانت قد ذكرت أن وزارة الخارجية الأمريكية أرسلت برقية إلى جميع بعثاتها الدبلوماسية بتاريخ 18 أغسطس، تطلب فيها تطبيق هذه القيود الجديدة. القرار يوسع نطاق القيود التي سبق وأُعلنت في 16 أغسطس، والتي كانت تقتصر على تعليق تأشيرات الزيارة لسكان قطاع غزة.
وتُشير المعلومات إلى أن الإدارة الأمريكية تستخدم المادة 221 (ز) من قانون الهجرة والجنسية لعام 1952 كذريعة لرفض طلبات التأشيرات. هذه المادة، التي تُستخدم عادة لطلب وثائق إضافية، تُطبّق الآن بطريقة واسعة لرفض التأشيرات بشكل ممنهج.
وفي السياق نفسه، كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت في وقت سابق عن قرارها رفض منح تأشيرات جديدة وإلغاء القديمة للأفراد المرتبطين بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. وتبرر الإدارة هذه الخطوات بأنها تتتوافق مع ما مع وصفته ب”المصالح الأمنية القومية” للولايات المتحدة. وادعت الإدارة أن هذه الإجراءات تأتي لمساءلة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بزعم “عدم الوفاء بالتزاماتهما وتقويض آفاق السلام”.
وأشار البيان الرسمي إلى أن هذه الإجراءات لن تُرفع إلا إذا “نبذت” منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية “الإرهاب”، حسب زعمه. و”وضعت حداً للتحريض على الإرهاب في التعليم”
تصنيف مفاجئ
وفي معرض التعليق على التوصيف الامريكي المفاجئ للسلطة الفلسطينية بالارهاب، يحلل خبراء ومحللون في شؤون المنطقة، أن التبريرات الأمريكية التي تسوقها إدارة ترامب لفرض قيود على الفلسطينيين تثير تساؤلات عميقة حول الأهداف الحقيقية لهذه السياسات. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن هذه الإجراءات، التي يتم اتخاذها ضد السلطة الفلسطينية، ولا سيما في التوقيت الحالي، والذي تتجاهل فيه الادارة الامريكية الدور الذي تلعبه هذه السلطة كشريك أمني للاحتلال الإسرائيلي.
يشير المحللون إلى أن السلطة الفلسطينية لم تعد مجرد كيان سياسي، بل تحولت إلى ما يشبه “شرطة ضبط” تعمل بتوجيه من سلطات الاحتلال، لاسيما في قمع أي تحرك فلسطيني مقاوم وتأمين المستوطنات في الضفة الغربية. وفي هذا السياق، يعتبر الخبراء أن معاقبة واشنطن لـ “خادمها الأمين” تُظهر ازدواجية في المعايير، وتؤكد أن هذه الإجراءات ليست سوى أداة ضغط سياسي تستهدف الشعب الفلسطيني بشكل مباشر، لا علاقة لها بالاتهامات الموجهة ضد السلطة.
ووفقًا لهذه التحليلات، فإن سياسة ترامب تُعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع لشرعنة الانتهاكات الإسرائيلية، وتصفية القضية الفلسطينية عبر عزل الشعب الفلسطيني، وإظهار أن لا بديل له عن سلطة ترضخ بالكامل للسياسات الإسرائيلية والأمريكية، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من القمع والضرر للشعب الفلسطيني.
تداعيات كارثية
وعن تداعيات القيود الأمريكية على حياة الفلسطينيين، أكد الخبراء والمحللون أن القرارات الأمريكية الأخيرة بفرض قيود واسعة على منح تأشيرات الدخول للفلسطينيين، تحمل في طياتها تداعيات خطيرة وعميقة على مختلف جوانب حياتهم اليومية.
وحسب المحللين، فإن هذه الإجراءات من شأنها أن تشكل جدارا يُبنى لحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في التنقل والسعي لحياة أفضل، لا سيما وأن هذه القيود تعد بمثابة ضربة قاصمة للطلاب الفلسطينيين الطامحين لاستكمال تعليمهم الجامعي في الولايات المتحدة، وللمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج في المستشفيات الأمريكية. الكثير من العائلات الفلسطينية تعتمد على السفر لتوفير العلاج لأطفالها أو للوصول إلى تخصصات طبية غير متاحة في الأراضي الفلسطينية. الآن، أصبح هذا الخيار غير متاح، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للمرضى.
واشاروا إلى أن ذلك سيعمل على تقييد السفر يُفرّق بين الأسر والأصدقاء، لا سيما وأن الكثير من الفلسطينيين لديهم أقارب في الولايات المتحدة، وكانت زيارتهم جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي. الآن، أصبحت فرص لم الشمل وزيارة الأحباء حلماً بعيد المنال، مما يعمق الشعور بالعزلة ويقوض الروابط الإنسانية.
القيود لا تقتصر على الزيارات العائلية، بل تشمل أيضًا السفر لأغراض العمل، لاسيما وأن هذه الاجراءات تمنع رجال الأعمال والمهنيين الفلسطينيين من حضور المؤتمرات، وإقامة الشراكات، وتوسيع أعمالهم، مما يؤدي إلى تضييق الخناق على الاقتصاد الفلسطيني ويحدّ من فرص التطور المهني.
أكثر من كون ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية قيود إدارية، فإن هذه الإجراءات ترسل رسالة سياسية واضحة مفادها أن واشنطن تتخذ موقفًا عدائيًا صريحًا تجاه الفلسطينيين ككل. هذا الموقف يقوّض أي حديث عن السلام أو التفاوض، ويؤكد أن الإدارة الأمريكية الحالية تستخدم كافة الأدوات المتاحة، بما في ذلك السياسات الإنسانية، كأداة ضغط سياسي.
هذه التداعيات تؤكد أن القرارات الأمريكية لا تُعاقب الحكومات بأي حال من الأحوال، وإنما تُعاقب الشعب الفلسطيني بشكل مباشر، وتزيد من معاناته اليومية في كل مرة يطمح فيها إلى تجاوز حدود المعاناة.