في سباق التطورات والمستجدات على مسار حرب غزة، تشهد سلطات الاحتلال الإسرائيلي ظاهرة متنامية جراء رفض جنود الاحتياط وأمهاتهم العودة إلى الخدمة العسكرية في القطاع، في حراك يستحضر في الأذهان حركة مماثلة لعبت دورًا بارزًا في دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى إنهاء احتلاله لجنوب لبنان عام 2000.
حراك متصاعد ينذر بتمزق داخلي
تتزايد أعداد المجموعات التي تعلن موقفها الرافض علنًا، منها مجموعة أطلقت على نفسها اسم “جنود من أجل الرهائن” وتضم أكثر من 360 جنديًا، فيما أكدت مجموعة أخرى باسم “أهالي الجنود يصرخون كفى” أنها تضم نحو ألف أم، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس”.
تعكس تصريحات الأمهات غضبًا متزايدًا وإحساسًا بانعدام الجدوى، حيث تقول إيفعات غادوت إن ابنها البالغ من العمر 22 عامًا وصف شعوره هو وزملاؤه في غزة بأنهم “أهداف” في مرمى الخطر، مضيفة: “قلت له نحن الأمهات سنفعل كل ما في وسعنا لإخراجكم من هذه الحرب السياسية”. من جهتها، عبرت نوريـت فيلسنثال-بيرغر عن مخاوفها على ابنها المجند، قائلة: “لم أتوقف عن التفكير في احتمال إصابته بجرح يمنعه من العودة إلى حياته”.
ويعبر جنود الاحتياط أيضًا عن إرهاقهم وإحباطهم المتزايد بعد فترات خدمة متكررة في غزة. ووصف جندي ومسعف يدعى أفشالوم زوهار سال، أن الجنود “باتوا مرهقين ولم يعودوا يعرفون لماذا يقاتلون”، مشيرًا إلى أن بعض زملائه أصبحوا أقل تركيزًا، مما جعلهم أكثر عرضة لهجمات مقاتلي حماس.
غضب وتداعيات على المدى الطويل
من يرفض الخدمة يعاقب بالسجن، حيث قضى ثلاثة جنود فقط أحكامًا بالسجن لأسابيع معدودة هذا العام. ومع ذلك، تعكس تصريحات هؤلاء الرافضين غضبًا متزايدًا من “حكومة بنيامين نتنياهو”، الذي يتهمه معارضوه بإطالة أمد الحرب لأهداف سياسية، على حساب مصالح الداخل الإسرائيلي والأسرى.
في هذا السياق، يقول ماكس كريش، أحد أعضاء “جنود من أجل الرهائن”، إن “حرب نتنياهو المستمرة تعرض أسرانا للخطر، وتمزق الداخل الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه تقتل وتشوه وتجوع شعبًا كاملاً في غزة”.
يتزامن هذا الحراك مع موجة احتجاجات واسعة داخلية وعالمية ضد نتنياهو، حيث يرى محللون ومسؤولون أمنيون سابقون أن العمليات العسكرية الأخيرة قد لا تحقق أي إنجاز ملموس. كما يتزامن مع انتقادات دولية متزايدة للاحتلال الإسرائيلي بسبب الكارثة الإنسانية التي أفرزتها الحرب على غزة. ووفقًا لوزارة الصحة في القطاع، فإن أكثر من 64 ألف فلسطيني قد قُتلوا منذ بداية الغزو البري، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال.
وفي تحليل لمؤسسة “مجموعة الأزمات الدولية”، تحذر المحللة مائيراف زونسزين من أن استمرار دفع الجنود للقتال وسط الانقسام السياسي الداخلي قد يؤثر سلبًا على قدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدى الطويل. وترى أن ما يحدث اليوم هو امتداد لجذور أزمة أعمق، تعود إلى الانقسامات التي أثارتها خطة تعديل النظام القضائي عام 2023، والتي أضعفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل هجوم السابع من أكتوبر.