المصدر الأول لاخبار اليمن

من يملك البحر يغير المعادلة.. كيف انقلبت الموازين لصالح قوة لم تكن بالحسبان؟

صنعاء | وكالة الصحافة اليمنية

 

في تحول استراتيجي لافت، تمكنت قوات صنعاء من إعادة تشكيل موازين القوة الإقليمية، مستخدمة ترسانة عسكرية متطورة تمتد من سواحل البحر الأحمر إلى المرتفعات الجبلية. وتشمل هذه الترسانة مسيرات بعيدة المدى، وصواريخ باليستية، وزوارق انتحارية غير مأهولة، وهي أسلحة أثبتت قدرتها على تجاوز أحدث الأنظمة الدفاعية في العالم، مما أعاد إلى الواجهة فرضية هشاشة هذه الأنظمة.

استفادت قوات صنعاء من جغرافية اليمن الوعرة، حيث حولت الجبال والوديان إلى ملاذات ومختبرات ومصانع حربية. وعلى مدى عقد من الزمن، اكتسب اليمنيون خبرة في تحويل التضاريس إلى سلاح، والصبر إلى استراتيجية، ومع تطور قدراتهم في تصنيع الصواريخ والمسيرات، تحولت هذه المناطق إلى مدن صناعية محصنة، تعمل كقلب نابض لعمليات عسكرية دقيقة، يعتمد تنفيذها على مهندسين محليين مؤهلين.

تتكون الترسانة اليمنية الحالية من مزيج من الأسلحة المحلية، والتقنية العالمية الحديثة، والتعديلات المحلية. وتشمل صواريخ باليستية وفرط صوتية تقليدية وانشطارية وصواريخ كروز ومسيرات قادرة على إصابة أهداف تتجاوز 2200 كيلومترًا بدقة عالية، وتتميز هذه الأسلحة بمنصات إطلاق متنقلة، مما يمنحها قدرة على تغيير مواقعها بسرعة، ويضمن استمرارية عملياتها.

 

التكتيكات العسكرية والبحرية

تعتمد قوات صنعاء على تكتيكات هجومية متكاملة، حيث تستخدم الطائرات المسيرة والصواريخ في موجات هجومية متداخلة. تبدأ الهجمات بإطلاق مسيرات لتشتيت أنظمة الدفاع الجوي، تليها ضربات بصواريخ كروز وباليستية تستغل الثغرات لاستهداف العمق. هذا الأسلوب، خاصة عند تنفيذه في أسراب متزامنة، يضع تحديات كبيرة أمام أنظمة الدفاع المتخصصة.

على الصعيد البحري، طورت قوات صنعاء قدراتها لتشمل زوارق مسيرة انتحارية، وأنظمة صواريخ مضادة للسفن، وقدرات هجومية بحرية، مما حول السواحل اليمنية إلى قوة ردع فعالة. وتهدف هذه القدرات إلى التحكم في الممرات البحرية الحيوية، وزيادة تكلفة أي محاولة للابتزاز أو التدخل العسكري.

تشير التقارير إلى أن اليمن قد وصل إلى مستويات متقدمة في التصنيع العسكري، بما في ذلك تجميع وتعديل وتحسين الأسلحة المستوردة، بالإضافة إلى ابتكار أسلحة جديدة بالكامل بأيدٍ محلية. وقد ساهمت ظروف الحرب والحصار في تطوير هذه الخبرات، التي تشمل مقاتلين ومهندسين ومديري عمليات تلقوا تدريبات متقدمة، بعضها عن بعد.

التحليل الاستراتيجي يبين أن قدرة قوات صنعاء على ممارسة ضغوط استراتيجية لا تقاس بعدد الصواريخ التي تمتلكها، بل بمدى تأثيرها في سياسات القوى المعادية. وقد أدى إرسال قطع بحرية دولية إلى المنطقة إلى تأكيد هذا التحليل، إلا أن أي ضربات جوية أو بحرية قد لا تكون قادرة على شل شبكة لوجستية مرنة ومصممة للبقاء والردع.

 

الحرب الاقتصادية والسياسية

بالنتيجة، تصبح الحرب أكثر تعقيداً؛ ليست فقط مسألة تدمير عسكري تكتيكي، بل حرب اقتصادية، وسياسية، ونفسية تمتد آثارها إلى حركة الشحن والأسواق واستقرار ملاحة الاحتلال الإسرائيلي، ومع كل ذلك، تبقى أسئلة جوهرية: هل يمكن لهذه الترسانة أن تكون حاسمة على المدى الطويل، أم أن دورها يقتصر على الضغط والتهديد الفردي لإعادة التوازن السياسي؟

في الواقع، الإجابة ليست في الصاروخ وحده، وإنما في قدرة الفاعل على ترجمة الضربات إلى مكاسب سياسية أو استراتيجية؛ فالسياسة تحدد الهدف، والسلاح ينفذ الوسيلة، وفي ظل العراقيل المطروحة أمام أي عملية عسكرية تقليدية ضد اليمن، من التضاريس إلى التحصينات والاستخبارات والتغلغل المدني، فإن أي حساب عسكري مبني على تدمير الترسانة بأي من أدوات ووسائل وتكتيكات الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية يبدو ضربًا من الخيال.

فرضت صنعاء نفسها كقوة تصنع توازنًا جديدًا لا يُقاس فقط بعدد أو وزن، بل بقدرته على التأثير وإعادة رسم مسارات وسياسات ردع قوية، وهذا يجعل من أي حساب عسكري دولي معها أمرًا معقدًا يتعدى البعد التقني إلى بعد سياسي استراتيجي؛ فاليمن لم يعد ولن يكن مسرحًا عابرًا للصراعات؛ وإنما بات عاملًا قادرًا على أن يعيد كتابة قواعد الاشتباك الإقليمية والدولية وفق معادلة توزان عادلة ترفض كل أشكال الابتزاز والاستغلال وتسقط كل ادعاءات الهيمنة.

 

معادلة توزان عادلة

في نوفمبر 2023، فاجأت سلطات صنعاء العالم بعملية نوعية استهدفت سفينة الشحن “جالاكسي ليدر”، المملوكة لرجل أعمال في الكيان الإسرائيلي. السفينة التي كانت تمر قبالة سواحل اليمن لم تكن مجرد ناقلة بضائع، بل رمزًا لحجم النفوذ التجاري لسلطات الاحتلال الممتد عبر الممرات الدولية.

مصادر أمريكية أشارت لاحقًا إلى أن الهجوم يحمل بصمات تدريب عسكري محترف متفرد غير مسبوق في عمليات سابقة، حيث ظهرت قوات صنعاء وهي تسيطر على السفينة في مشهد فريد باستخدام مروحيات صغيرة وقوات مدربة هبطت على سطحها بسرعة مذهلة.

احتجاز جالاكسي ليدر مثل ورقة سياسية تشبه ما قامت به حماس عند احتجاز أسرى في عملية طوفان الأقصى، وفي التوقيت المناسب، أُفرج عن طاقم السفينة بطلب من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، لكن الرسالة وصلت عقر الدار الصهيوني: نستطيع ضرب مصالحكم في أي مكان. العملية رفعت مستوى التوتر البحري، وفتحت الباب أمام جدل أمريكي إسرائيلي بريطاني حول قدرة اليمن على ابتكار وسائل تدريب حديثة لقواتها البحرية على هذا النوع من العمليات، وفي وقت قياسي.

 

سفينة “ماجيك سيز”

بعد أشهر من استمرار الهجمات البحرية، أغرقت صنعاء عدد من السفن الإسرائيلية والبريطانية والأميركية، وأصابت العشرات منها، وفي صيف 2024 استهدفت ناقلة الشحن “ماجيك سيز”، المسجلة تحت العلم الليبيري وتديرها شركة يونانية تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.

الإعلام الحربي لسلطات صنعاء بث شريطًا دعائيًا يظهر مقاتلين يوجهون إنذاراً بالإنجليزية لقائد السفينة يطالبونه بالتوقف. لم يستجب، فجاءت الضربة: قوارب هجومية مسيرة وصواريخ موجهة.

وقد أدى الهجوم، إلى غرق السفينة، ودفع شركات الملاحة المرتبطة بإسرائيل إلى تغيير مساراتها، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري.

 

سفينة إتيرنيتي سي

بعد ساعات فقط من إغراق “ماجيك سيز”، جاء دور “إتيرنيتي سي”، بينما كانت حاملة طائرات أخرى ترفع العلم الليبيري وفي طريقها إلى ميناء إيلات في الكيان الإسرائيلي، وقد كان الهجوم مركبًا باستخدام زوارق مسيرة مفخخة وقذائف صاروخية. الانفجارات المتتالية اخترقت بدن السفينة لتغرق في عرض البحر على بعد 50 ميلاً من ميناء الحديدة.

كان المشهد صادمًا؛ خمسة بحارة تم إنقاذهم، وأربعة لقوا مصرعهم، والبقية اعتبروا في عداد المفقودين، هذه العملية مثّلت ثاني إغراق لسفينة متجهة إلى موانئ الكيان الإسرائيلي خلال أقل من أسبوع، لتؤكد أن سلطات صنعاء لم توقف الحظر على الملاحة الإسرائيلية بعد وقف العدوان الأميركي على اليمن، بل تنفذ عمليات بدقة عالية، نصرة للشعب الفلسطيني.

 

معادلة جديدة في البحر الأحمر

يحاول البنتاغون الأمريكي وصف الوضع بأنه انزلاق إلى مرحلة ما يسميه بـ”الفوضى”، لكنه في المقابل يكتفى بتحذيرات مراكز الأبحاث من احتمالات فتح الباب أمام حرب بحرية شاملة. في حين تستمر قوات سلطات صنعاء في عملياتها المتسلسلة، من السيطرة على سفينة جالاكسي ليدر إلى إغراق ماجيك سيز وإتيرنيتي سي، معلنة أنها أصبحت قوة بحرية رادعة لا يُستهان بها.

كما تؤكد صنعاء أن البحر الأحمر يبقى ممرًا تجاريًا آمنًا ومحميًا أمام الملاحة الدولية، ولكنه سيظل محظورً تمامًا أمام سفن الكيان الإسرائيلي أو تلك المرتبطة بموانئه، حتى رفع الحصار ووقف العدوان على غزة.

ومن خلال ذلك يتضح أن صنعاء فرضت معادلة قوة جديدة، لا تعتمد على حجم الأساطيل، بل على امتلاك أهداف إنسانية مدعومة بقدرات ردع احترافية، كما أثبت الشعب اليمني قدرته على حماية سيادته على مياهه وممراته البحرية الحيوية، ورفض أي شكل من أشكال الابتزاز أو الهيمنة.

قد يعجبك ايضا