المصدر الأول لاخبار اليمن

الاستنزاف في غزة تكتيك يُنهك الاحتلال الإسرائيلي

غزة | وكالة الصحافة اليمنية

 

عادت المقاومة الفلسطينية لتُعلن حضورها بقوة في قطاع غزة، ليس عبر المواجهة المباشرة، بل من خلال تبني “عقيدة حرب الاستنزاف” التاريخية.

في الأسابيع الماضية، شهد ميدان المعركة سلسلة من العمليات النوعية التي اتسمت بالذكاء في التوقيت والتوزيع الجغرافي، مُسقطةً فرضية الاحتلال بإحكام السيطرة، ومُربكةً لوحداته العسكرية التي وجدت نفسها عالقة في جغرافيا دُمرت؛ لكنها لم تُهزم.

​لقد ​تجاوزت عمليات المقاومة الجغرافيا الضيقة لتشمل القطاع بأكمله، فمن خان يونس جنوبًا، مرورًا بأحياء الشجاعية وجباليا شمالًا، وحتى محيط رفح وتل السلطان، استهدفت فصائل المقاومة – وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس – نقاط تمركز ووحدات نخبة إسرائيلية بكمائن مُحكمة وتفجيرات مُباغتة وعمليات قنص دقيقة.

​اللافت في هذا التكتيك هو التوزيع الزمني والمكاني المُدروس؛ عمليات مُتلاحقة لكنها غير متوقعة، تضرب في مناطق ظنّ الاحتلال أنه “طهّرها”، وهذه الديناميكية لا تهدف إلى تحقيق مكاسب أرضية، بل إلى إنهاك العدو في معارك طويلة الأمد، وتراكم الخسائر البشرية والمادية ببطء ولكن بثبات، وهو ركيزة أساسية لتكتيك الاستنزاف.

 

​ سلاحان تكتيكيان

​اعتمد المقاومون على فن المباغتة كأداة رئيسية، حيث تم تنفيذ العمليات باستخدام عبوات ناسفة مُعدّة مسبقًا، وألغام مُخبأة في الأنقاض، وكمائن تُنفّذ عقب انسحاب شكلي للمقاتلين، ما أوقع الجنود الإسرائيليين في الشرك.

​من جهة أخرى، استخدمت المقاومة الإعلام كجبهة موازية لإحداث تأثير في نفسيات جنود الاحتلال، عبر نشر مقاطع فيديو لعمليات القنص والاشتباك، بالإضافة إلى بث رسائل تكشف عن أسماء قتلى الجنود، هذا التكتيك زاد من الضغط داخل “المجتمع الإسرائيلي” وعمّق حالة القلق والخوف لدى الجنود في الميدان، وقد اعترف قادة الاحتلال أنفسهم بوجود “مناطق لا يمكن الدخول إليها دون خسائر”، وهو اعتراف ضمني بفاعلية هذه الحرب النفسية.

​ هذا التحول خلّف حالة من الفوضى داخل صفوف جيش الاحتلال الذي كان يعتمد على تفوقه الجوي والاستخباراتي، لكنه وجد نفسه غارقًا في حرب شوارع تستنزف جنوده وتعيد رسم قواعد الاشتباك، وأصبحت المقاومة ليس فقط لاعبًا دفاعيًا بل أصبحت لاعبًا مهاجمًا يعيد توجيه مسار هذه الحرب المفروضة عليه.

​لم تأتِ هذه التطورات الميدانية بمعزل عن السياق السياسي، فعمليات الاستنزاف تحمل رسائل استراتيجية واضحة أهمها ​دحض فكرة “إنهاء التهديد في غزة” التي روّج لها الاحتلال، وتأكيد قدرة المقاومة على الاستمرار والمبادرة، و​فرض معادلة جديدة تربط أي تقدم عسكري بسقوط أعداد كبيرة من القتلى الإسرائيليين، ما يرفع الكلفة السياسية والأمنية للعملية العسكرية.

تُشير مصادر المقاومة إلى أن الهدف هو “تعطيل خطط الاحتلال للسيطرة الكاملة” على القطاع، وعرقلة مسار أي مفاوضات لا تُلبّي مطالبها، والضغط على الأطراف الدولية للاعتراف بأن الحسم العسكري غير ممكن.

 

​عقيدة المقاتل الفلسطيني

​يُشكّل المقاتل الفلسطيني حجر الزاوية في هذه المعركة الطويلة، فالعمليات المُستمرة تُفسرها عقيدة دينية ووطنية راسخة ترى في المقاومة طريقًا للتحرير، هذه العقيدة تخلق مقاتلين مستعدين للكمون لأسابيع طويلة تحت الأرض، أو تنفيذ عمليات فدائية بالحد الأدنى من الإمكانات، فالاستشهاد وفق هذه الرؤية، ليس نهاية بل جزء من استمرار مشروع المقاومة، ما يُفسر قدرة الفصائل على تجنيد عناصر جديدة رغم الخسائر الهائلة.

وقد ​أحدثت العمليات الأخيرة اهتزازًا في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي باتت تواجه اعترافات مُتزايدة بخسائر بشرية بين الجنود والضباط في كمائن المقاومة، هذا الاستنزاف يُغذي الضغط الداخلي على حكومة الاحتلال، ويُعمّق الانقسامات السياسية حول جدوى استمرار العملية العسكرية.

​في المقابل، رفعت هذه العمليات معنويات الفلسطينيين، وأكدت أن المقاومة قادرة على البقاء والمبادرة، وما يجري في غزة لم يعد مجرد تبادل نار، بل “معركة تخطيط وصبر” تُدار بعقيدة مقاومة مُحترفة، توظف الجغرافيا والزمن والمباغتة كسلاح استراتيجي لإيقاع أكبر خسائر في صفوف العدو الإسرائيلي.

 

قد يعجبك ايضا