بعد عامين من الحرب في غزة، عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في الـ7 من أكتوبر 2023، شهدت “إسرائيل” تحولات عميقة وواسعة النطاق، شملت الجوانب السياسية والدبلوماسية، الاقتصادية والمالية، الاجتماعية والنفسية، الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى التأثيرات الأكاديمية.
لقد زعزعت هذه العملية التصورات الإسرائيلية للأمن والقوة، وأدت إلى تدهور سمعة الاحتلال بشكل أكبر مما كان عليه، وتصاعدت الضغوط الاقتصادية، وتفاقمت الأزمات الاجتماعية والنفسية، وكشفت عن نقاط ضعف في المنظومة العسكرية.
مكانة الاحتلال تدهورت على الساحة الدولية في وقت كانت “تل ابيب” تسعى إلى التطبيع مع العديد من الدول، وتعددت جبهات القتال لتشمل إيران بشكل مباشر واليمن ولبنان والعراق، ما لم يتوقعه رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، الاعترافات الدولية المتزايدة بفلسطين، ما شكل نكسة دبلوماسية لبرنامج اليمين الإسرائيلي الذي يرفضها بشكل قاطع، هذا التحول في الرأي العام الدولي، وجد صدى لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتمدت قرارًا يدعم عضوية كاملة.
وبالنظر في الخسائر الاقتصادية التي تسببت عملية طوفان الأقصى بها للاحتلال، فقد زاد الانفاق العسكري الإسرائيلي بحسب صحف عبرية، إلى 65% في عام 2024 ليصل إلى 46.5 مليار دولار، وهي أكبر تكلفة حربية في تاريخ الاحتلال.
وتوقع تقرير نشره موقع “غلوباليست” في أغسطس 2025 أن يتجاوز الدين العام للاحتلال 70% من الناتج الإجمالي لعام 2025، وأن يصل عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً طوال ما تبقى من هذا العقد .
ولعل مغادرة رؤوس الأموال للأراضي المحتلة يعكس التدهور في الاقتصادي الإسرائيلي، فقد غادر ما لا يقل عن 1700 مليونير صهيوني العام الماضي، كما تزايدت ظاهرة “الهجرة العكسية” بشكل عام، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد والابتكار، خاصة مع مغادرة العاملين في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا الفائقة.
وفي المجال السياحي، فقد اضطر 90 فندقًا إلى إغلاق أبوابه، وهو ما يمثل 20% من قطاع الفنادق في “إسرائيل”، كما تسبب تعطيل الاقتصاد اليومي بخسائر تُقدر بحوالي 1.5 مليار شيكل يوميًا .
لقد كانت التداعيات الاجتماعية والنفسية لعملية طوفان الأقصى عميقة وواسعة، حيث شهد الاحتلال خسائر بشرية كبيرة، حيث وثقت مؤسسة التأمين الوطني مقتل 978 مدنيًا، بينما أعلنت وزارة الدفاع مقتل 1152 عسكريًا، مع تقديرات بأن الخسائر الفعلية أكبر بكثير.
في هذا السياق، أشارت مؤسسة التأمين الوطني إلى معالجة أكثر من 80 ألف متضرر من 7 أكتوبر، منهم 30,462 بإعاقة نفسية. كما سجلت المؤسسة أكثر من 30 ألف شخص أصيبوا باضطرابات نفسية.
وبالنظر إلى التأثيرات الأمنية والعسكرية، مثلت عملية طوفان الأقصى ضربة قوية لتصورات الأمن والقوة الإسرائيلية، وكشفت عن خلل في المنظومة الأمنية والعسكرية وسوء تقدير لقدرات المقاومة.
لقد توسعت دائرة الصراع لتشمل جبهات متعددة، بما في ذلك لبنان واليمن والعراق، مما أدى إلى استنزاف الاحتلال عسكريًا، وبات جيش الاحتلال يعاني من نقص المقاتلين والمعدات، والأهم تهاوي مزاعم “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.
ورقميًا يواجه الجيش الإسرائيلي نقصًا خطيرًا في القوات، يتجاوز 12 ألف جندي، ونقصًا في 300 ضابط في مناصب قادة الفصائل، مما دفعه إلى تجنيد النساء واليهود من خارج البلاد لسد هذا النقص .
كما تأثرت الموانئ الإسرائيلية سلبًا بسبب هجمات قوات صنعاء.
لم تكن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بمنأى عن تداعيات طوفان الأقصى، فقد تعرضت الجامعات والأكاديميون الإسرائيليون لمقاطعة أكاديمية واسعة النطاق، حيث سجلت “لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية” أكثر من 750 حالة مقاطعة أكاديمية منذ بداية الحرب على غزة، مما أدى إلى خسائر معنوية واقتصادية، بالإضافة إلى ذلك، ناقشت المفوضية الأوروبية توصية بتعليق جزئي لوصول “إسرائيل” إلى برنامج تمويل الأبحاث العلمية “هورايزون 2020″، مما يهدد بقطع جزء مهم من الدعم المالي للأبحاث الإسرائيلية.
عملية طوفان الأقصى أحدثت تحولًا جذريًا في المشهد الإسرائيلي على جميع المستويات، فمن تدهور السمعة الدولية وتوقف التطبيع، إلى الضغوط الاقتصادية الهائلة وارتفاع الدين العام، مرورًا بالصدمات الاجتماعية والنفسية والهجرة العكسية، وصولًا إلى كشف نقاط الضعف العسكرية والمقاطعة الأكاديمية، ليواجه الاحتلال تحديات غير مسبوقة.