المصدر الأول لاخبار اليمن

بعد عامين من العدوان.. صرخات غزة تحفر في الضمير العالمي وتؤكد: طريق السلام يبدأ بنزع الاحتلال وتفكيك حصانته

صنعاء | وكالة الصحافة اليمنية

 

بعد مرور  عامين على العدوان الوحشي والمستمر على قطاع غزة، الذي تحول إلى واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العصر الحديث، تتجه الأنظار نحو إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الكيان الإسرائيلي و”حماس”، ضمن ما يسمى “خطة السلام” الأمريكية. هذا التطور يأتي في وقت تتكشف فيه عواقب تاريخية وجيوسياسية عميقة للإبادة الجماعية، ووسط دعوات عالمية لتخليد ذكرى الضحايا وإعادة بناء النظام الدولي على أسس العدالة.

 

الصراع وازدواجية المعايير

ما حدث في غزة خلال العامين الماضيين يُمثل جريمة حرب ضد الإنسانية استهدفت المدنيين، وحظرت وصول المساعدات الإنسانية، واستُخدم فيها الغذاء كآلية إبادة. وقد وثقت تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمات دولية الانتهاك الصارخ للقانون الإنساني الدولي من قبل سلطات الاحتلال.

كشفت هذه الأحداث، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية ووسائل الاعلامية الاقليمية والعالمية، عن نقاط الضعف في الخطاب الدولي بشأن حقوق الإنسان والسلام والأمن، إذ لم تفعل الأحاديث شيئاً لوقف المجازر المستمرة.

وفي المقابل، أظهر تقييم للإبادة الجماعية أن مزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه “الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم” ليس إلا ادعاءات واهية، خاصة مع بلوغ عدد الضحايا أكثر من 67 ألف قتيل، نحو ثلثهم من الأطفال. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي، شملت الانتهاكات استهداف المستشفيات والملاجئ والمدارس، وفرض حصار خانق أدى إلى مجاعة واسعة النطاق

.

يقظة الضمير وتحولات المشهد

على الرغم من الصمت الرسمي لبعض القوى، فقد أيقظت الإبادة الجماعية الضمائر الحرة في جميع أنحاء العالم. ارتفعت ملايين الأصوات للتنديد بجرائم الكيان الإسرائيلي، كما أعلنت أكثر من 157 دولة من ضمنها دول وازنة، كالمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، اعترافها بالدولة الفلسطينية، مؤكدةً على ضرورة إيجاد مسار سياسي حقيقي نحو ما اسمته بـ “حل الدولتين”.

هذا التحرك، الذي يمثل نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدولية، دفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في مواقفها، كاشفةً عن ازدواجية المعايير المتأصلة في النظام الدولي. وبدأنا نشهد تبلور تحالفات دولية تتحدى النظام التقليدي، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نهاية عصر الهيمنة الأمريكية.

 

صفقة “ترامب”: هدنة مؤقتة أم خطة استسلام؟

جاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موافقة الكيان الإسرائيلي و”حماس” على المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار ليثير ترحيبًا عالميًا حذرًا. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن تفاصيل المرحلة الأولى، والتي تم توقيعها في شرم الشيخ، وتتضمن: إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين العشرين المتبقين على قيد الحياة مقابل نحو ألفي أسير فلسطيني، ودخول ما لا يقل عن 400 شاحنة مساعدات إلى غزة، وبدء جيش الاحتلال الإسرائيلي انسحابًا تدريجيًا من أجزاء من القطاع.

وعلى الرغم من حصل عليه الاتفاق من ترحيب ومباركة إقليمية وعالمية، إلا أن أصواتاً في الكيان الإسرائيلي عبّرت عن رفضها. فقد أعلن وزير مالية الكيان بتسلئيل سموتريتش وحزبه الصهيوني المتطرف رفضهم التصويت لصالح الاتفاق، متعهداً بأن الكيان الإسرائيلي “سيواصل السعي بكل قوته للقضاء الحقيقي على حماس ونزع سلاح غزة بشكل حقيقي”. وفي المقابل، أشادت “حماس” بجهود الوسطاء، داعيةً إلى “إلزام حكومة الاحتلال بتنفيذ التزاماتها كاملة”.

 

نزع تطرف الغرب ووكيله

في السياق، يشير محللون غربيون إلى أن ما يسمى بـ”خطة السلام” قد تكون مجرد “مهزلة” لا تعالج الجذور الحقيقية للأزمة، وهي أن الإبادة الجماعية لم تكن دفاعاً عن النفس، بل كانت مُقدّرة مسبقاً بدافع مزاعم “الضرورات الأيديولوجية للصهيونية”.

وتُظهر استطلاعات رأي نُشرت في الصحافة “الإسرائيلية” في مايو 2025 الدعم الواسع للعدوان، حيث أيد 82% من اليهود الإسرائيليين طرد الفلسطينيين من غزة، ووافق 47% على قتل جميع سكان غزة، بمن فيهم الأطفال.

هذا يكشف عن تطرف متجذر في الداخل الاسرائيلي، مما دفع الصحفية والناشطة الإسرائيلية أورلي نوي إلى الاستنتاج، في مقال لها على موقع +972 الإلكتروني، بأن “ما نشهده هو المرحلة النهائية في تحول الداخل الإسرائيلي إلى النازية”، وأن “لا يمكن تطهير الصهيونية، بجميع أشكالها، من وصمة هذه الجريمة إلا بوضع حد لها”.

 

تفكيك التطبيع والتحصين

مرور عامين على الإبادة الجماعية هو دعوة ملحة للحفاظ على الذاكرة الإنسانية كفعل مقاومة، تتطلب تفكيك جميع محاولات تبرير أو تطبيع جرائم الكيان الإسرائيلي، ودعم المحاكم الدولية لضمان عدم حماية الجرائم ضد الإنسانية بالحصانة السياسية.

المطلوب الآن ليس فقط إعادة الإعمار، بل حملة “نزع تطرف” أعمق بكثير في الغرب والكيان التابع له، تجعل من غير المعقول تجاهل الحكم الصادر عن المحكمة الدولية بضرورة إنهاء الاحتلال غير الشرعي، وتنفيذ حكمها باعتقال نتنياهو لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

 

نهاية الهيمنة الأمريكية وولادة نظام جديد

لقد تجاوزت التداعيات الإنسانية نطاقها، لتحدث زلزالاً جيوسياسياً يعيد رسم خارطة القوى العالمية، لاسيما وقد كشفت الإبادة الجماعية عن ازدواجية معايير غربية عميقة، وتسببت في تآكل هائل للثقة بالنظام العالمي التقليدي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها.

على الصعيد الدولي، بدأت ملامح تحالفات جديدة تتبلور، تحمل في طياتها تحدياً صريحاً للنظام القديم. هذه التحالفات، التي يشارك فيها الجنوب العالمي بقوة، تهدف إلى دعم المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية، لمحاسبة الكيان الإسرائيلي وقياداته، وهو ما يمثل تحدياً لـ “الحصانة السياسية” التي كانت توفرها واشنطن وحلفاؤها تقليدياً.

 

الغرب في مرآة الذات

على الصعيد ذاته، أدى الاندفاع غير المبرر من قبل الطبقة الحاكمة الغربية لتبرير جرائم الكيان الإسرائيلي إلى أزمة ثقة داخلية عميقة، بل وأثارت تساؤلات لدى العديد من الناشطين والمحللين الغربيين الذين أكدوا على الحاجة الماسة إلى حملة عالمية لـ “نزع التطرف” من الغرب نفسه. فالأمر يتعلق بشيطان كامن في روح الغرب الذي أسّس الكيان الإسرائيلي وسلّحه وموّله وتسامح معه.

ويرى خبراء سياسيون أن حملة “نزع التطرف” المطلوبة اليوم يجب أن تجعل من غير المعقول تجاهل الحكم الصادر عن المحكمة الدولية بضرورة إنهاء الاحتلال غير الشرعي المستمر منذ عقود، ووصف المظاهرات المنددة بالإبادة الجماعية بأنها “غير مشروعة” أو السعي لإنهاء الحق في الاحتجاج.

 

خلاصة القول:

تؤكد مجمل الفعاليات السياسية والقانونية والإنسانية، بما في ذلك الشهادات الموثقة من قوى المقاومة الإقليمية، أن العالم يمر بـ “نقطة تحول حاسمة في تاريخ البشرية”. تقع على عاتق القوى الجديدة، التي تتحدى النظام التقليدي، مسؤولية أخلاقية وسياسية تتمثل في إعادة بناء النظام الدولي لإزالة النفوذ غير المشروع للقوى الاستعمارية.

وفي هذا السياق، جاءت كلمة السيد عبد الملك الحوثي، الخميس الماضي، التي شكلت شهادة تاريخية صادقة ووثيقة اتهام دامغة كشفت بشاعة العدوان الصهيوني الأمريكي. وقد أكد أن العدوان هو “جريمة القرن”، مستنداً إلى أرقام ووقائع تفيد بأن أكثر من 11% من سكان غزة بين قتيل وجريح، وهي أعلى نسبة إصابة بشرية في منطقة محاصرة في العصر الحديث.

لقد أبرزت الكلمة الاستهداف الشمولي والمنهجي، سواء عبر قتل الأطفال والنساء عمداً بالقنابل أمريكية الصنع، أو عبر التجويع الذي حوّل حليب الأطفال والمياه إلى سلع نادرة ومخاطرة يومية، وصولاً إلى استهداف المستشفيات والمقابر وتدمير أكثر من 1000 مسجد و95% من المدارس، في محاولة لطمس الهوية وتغيير ديمغرافي قسري. هذه المعطيات تؤكد وجود نية مبيتة لتدمير البنية الحياتية والثقافية للشعب الفلسطيني، وهو ما يتقاطع مع النوايا الصهيونية لتصفية القضية.

كلمة السيد عبد الملك الحوثي تمثل نداء ضمير عالمي، وتحمل في طياتها وثيقة اتهام مكتملة الأركان للكيان الصهيوني، ومن خلفه الشريك الأمريكي، بارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي ممنهج في غزة، الأبعاد التي تطرق لها السيد الحوثي تجاوزت الشأن الفلسطيني لتخاطب العالم أجمع، داعياً إلى تحرك إنساني وأخلاقي ودولي، يوقف هذه الكارثة التاريخية ومحاسبة مرتكبيها.

الإبادة الجماعية في غزة لم تذهب سدى؛ فضحاياها يمثلون طعنة ضمير تستحث مسار التعددية القطبية الحقيقية القائمة على احترام حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في الحرية والاستقلال الوطني، ليكون مساوياً لحقوق جميع الشعوب في العالم. ذلك أن طريق السلام يبدأ من بوابة تحقيق العدالة الشاملة، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.

قد يعجبك ايضا