المصدر الأول لاخبار اليمن

انسحابات مالية كبرى تضرب أسواق الاحتلال.. وأوروبا تقلب الطاولة بالاعتراف بفلسطين وقطع العلاقات!

فلسطين المحتلة| وكالة الصحافة اليمنية

 

بعد مرور عامين على الحرب العدوانية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي أسفرت عن تحويل القطاع إلى مكان مدمر غير صالح للعيش ومقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني ومنع إدخال الأدوية والأغذية، يجد الكيان الإسرائيلي نفسه في خضم عزلة دولية متفاقمة.

هذه العزلة، التي أصبحت واقعاً ملموساً، لا تقتصر على الإدانات السياسية، بل تتجسد في تحولات غير مسبوقة على الساحة الاقتصادية والدبلوماسية والأكاديمية، ما يعكس السخط الشعبي والرسمي المتزايد حيال انتهاكات سلطات الاحتلال في غزة.

 

التحول في المزاج الاقتصادي العالمي

تُعد هذه التحركات بمثابة مؤشر واضح على تآكل الثقة في استقرار الكيان الاقتصادي ومصداقيته الأخلاقية، خاصةً في أوروبا التي تُعد أحد أبرز مصادر الاستثمارات الأجنبية. وقد جاءت قرارات صناديق الاستثمار الكبرى لتعكس تطبيقاً متزايداً لمفهوم “الاستثمار الأخلاقي” وتجنب المخاطر القانونية والمالية المرتبطة بجرائم الحرب، حيث أعلن الصندوق (الأكبر في العالم بأصول تتجاوز 1.9 تريليون دولار) عن إنهاء عقود إدارة الأصول الخارجية التي كانت تُدار في الكيان، ونقل إدارتها داخلياً بعد مراجعة عاجلة لأصول مرتبطة بالصناعات العسكرية الإسرائيلية. وفي خطوة أكثر حزماً، أعلن الصندوق في يونيو الماضي، التوقف عن التعامل مع شركتين تبيعان معدات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهما شركة “أوشكوش” الأمريكية و”تيسنكروب” الألمانية.

وقام صندوق التقاعد الهولندي بسحب استثماراته من عدد من الشركات الكبرى، مثل “بوكينغ”، و”سيمكس”، و”موتورولا سوليوشنز”، والتي تم ربطها بانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بلغت قيمة التخارج نحو 151 مليون يورو بعد عملية تدقيق استمرت عدة أشهر. ورغم امتلاك الصندوق في نهاية 2024 استثمارات في 65 شركة إسرائيلية تُقدّر بنحو 1.95 مليار دولار، فإنه باع حصصه لاحقاً في 11 شركة فقط، مؤكداً التزامه بتطبيق معايير أخلاقية ورقابية مشددة على الاستثمارات المستقبلية.

صناديق دنماركية وبريطانية وأيرلندية تتبع المسار، حذت حذو سابقاتها، حيث استبعد صندوق التقاعد الدنماركي (24.77 مليار دولار) جميع الأصول الإسرائيلية من محفظته احتجاجاً على الحرب والتوسع الاستيطاني. كما سحب صندوق تقاعد المربين الدنماركي استثماراته من “إكسبيديا”، و”بوكينغ هولدنغ”، و”إير بي إن بي” بسبب تفاقم الوضع.

وفي بريطانيا، أعلن صندوق التقاعد الجامعي عن بيع أصول وسندات إسرائيلية بقيمة 102 مليون دولار لأسباب مالية وإدارة للمخاطر، بينما باع أكبر صندوق تقاعد في القطاع الخاص في بريطانيا ما قيمته 80 مليون جنيه إسترليني من أصوله في الكيان.

أما صندوق الاستثمار السيادي الأيرلندي (17.55 مليار دولار)، فسحب استثماراته من ست شركات إسرائيلية، من بينها بنوك كبرى، لتورطها في أنشطة داخل الأراضي المحتلة، تأكيداً على مبادئ الاستثمار الأخلاقي.

 

قيود وتنسيق في مواجهة العدوان

تُوضح الإجراءات المتزامنة للحكومات الأوروبية تنسيقاً متزايداً لمقاطعة الكيان الإسرائيلي اقتصادياً ودبلوماسياً، وهو ما قد يؤدي إلى انعكاسات سياسية عميقة.

فرضت إسبانيا حظراً شاملاً على تصدير واستيراد الأسلحة والمعدات الدفاعية، ومنعت استخدام موانئها ومطاراتها للشحنات العسكرية الإسرائيلية، وألغت عقوداً عسكرية ضخمة بقيمة 700 مليون يورو. وشدّدت هولندا الرقابة على صادرات السلع العسكرية، وأوقفت منح تراخيص تصدير الأسلحة، وطبّقت حكماً قضائياً بوقف تصدير أجزاء طائرات “إف-35”. فيما سحبت أيرلندا استثمارات بقيمة 2.95 مليون يورو، وشرعت الحكومة في قانون يحظر إدخال منتجات المستوطنات إلى السوق الأيرلندية. كما حظرت هذه الدول استيراد منتجات المستوطنات غير القانونية.

سلوفينيا، هي الأخرى، فرضت حظراً شاملاً على تجارة الأسلحة، وعلقت اتفاقيات الشراكة مع الكيان، مع التهديد باتخاذ إجراءات مالية إضافية. أما تركيا، فأعلنت في مايو 2024 تعليق جميع الصادرات والواردات وإغلاق موانئها ومجالها الجوي أمام السفن والطائرات الإسرائيلية، في حين تظهر بيانات استمرار حركة التجارة البحرية بين الموانئ التركية والإسرائيلية.

فيما أعلنت مجموعة لاهاي الدولية في يوليو 2025 عن انضمام 12 دولة لعقوبات منسقة لوقف تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الكيان، شملت منع توريد الأسلحة، وحظر عبور السفن، ومراجعة العقود الحكومية، وفتح تحقيقات قضائية، وتبنّي مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب.

 

المقاطعة ضربة لسمعة الكيان

امتدت العزلة لتشمل الفضاء الأكاديمي والثقافي، مما يضر بسمعة الكيان الإسرائيلي ويزيد من حدة العزلة الاجتماعية، حيث زاد عدد الجامعات والمؤسسات الأكاديمية التي قطعت علاقاتها مع الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، وسط اتهامات بالتواطؤ مع سياسات الاحتلال. قطعت جامعات في النرويج وبلجيكا وإسبانيا علاقاتها، وأنهت كلية “ترينيتي” في دبلن برامج التعاون، وأوقفت جامعة أمستردام برنامج التبادل الطلابي. وقد تجاوزت حملة المقاطعة الأكاديمية 20 جامعة أوروبية، في خطوة تعد من أوسع حملات المقاطعة للكيان منذ تأسيسه.

وفي الفضاء الثقافي والفني، وقّع أكثر من خمسة آلاف فنان عالمي، بينهم أسماء بارزة مثل مارك رافالو وخافيير بارديم، عريضة تعهدوا فيها بعدم التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية. كما أعلنت دول مثل إسبانيا وهولندا وأيرلندا مقاطعتها لمسابقة “يوروفيجن 2026” في حال المشاركة الإسرائيلية.

 

اعترافات متزايدة بدولة فلسطين

وفيما ارتفع عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطينية مستقلة إلى 160 دولة، بشكل غير مسبوق، بعدما أقدمت 20 دولة جديدة على الاعتراف خلال العامين الماضيين، من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وأستراليا وكندا.

تزامنت هذه التحركات الاقتصادية والأكاديمية مع تصاعد الإدانات العالمية، كان أبرزها “التحقيقات الدولية والإدانة بالجريمة”، فقد خلص التحقيق المستقل الذي أجرته الأمم المتحدة لأول مرة إلى أن الكيان الإسرائيلي ارتكب جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. وقد تزايدت الضغوط بعد رفع جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية، تلاها أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024 بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك يوآف جالانت، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتزايدت الإجراءات العقابية الغربية ضد شخصيات في حكومة نتنياهو، إذ فرضت بريطانيا وكندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا عقوبات مباشرة على وزراء من اليمين المتطرف، من بينهم إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لاتهامهم بالتحريض على العنف ضد الفلسطينيين، وشملت العقوبات منعهم من دخول الأراضي وتجميد أصولهم المالية.

 

الانقسام الداخلي وتحديات العزلة

في خضم هذا الجو المشحون خارجياً، تشهد أوساط الكيان انقساماً حاداً بين التيار اليميني المتشدد الداعم لمواصلة العمليات، والداعين إلى إنهاء الحرب. ففي الوقت الذي يتمسك فيه وزراء اليمين المتطرف بخيار ضم الضفة الغربية، خرجت مظاهرات أسبوعية في مدن عدة للمطالبة بوقف إطلاق النار، حيث يؤيد 64% من الإسرائيليين وقف إطلاق النار، وفقاً لاستطلاع رأي نُشر في سبتمبر 2025.

بالنتيجة، تدخل سلطات الاحتلال العام الثالث من حرب العدوان على غزة وهي تواجه تحولاً جذرياً في مكانتها الدولية وتصدعاً داخلياً في شرعيتها السياسية. ومع استمرار سياسات العزل هذه، تتآكل صورة الكيان في الخارج وتتراجع قدرته على المناورة السياسية، مما يفرض تحديات اقتصادية وسياسية جديدة قد تدفع إلى إعادة حساب الاستراتيجيات الداخلية والخارجية.

 

قد يعجبك ايضا