أصدر مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست “الإسرائيلي” تقريراً جديداً كاشفاً عن مؤشرات وصفها بالمقلقة تتعلق بتزايد أعداد “الإسرائيليين” الذين هاجروا إلى الخارج خلال العامين الماضيين، في ظل تداعيات الحرب “الإسرائيلية” على غزة.
ويُظهر التقرير أن “إسرائيل” تواجه توازنًا سلبيًا في حركة الهجرة، وسط عجز الحكومة لوضع خطة واضحة لمعالجة أسباب الظاهرة أو الحد منها .
وبحسب ما أوردته صحيفتا يديعوت أحرونوت ومعاريف العبريتين اللتان نشرتا أبرز نتائج التقرير، فإن عدد “الإسرائيليين” الذين يغادرون البلاد بشكل طويل الأمد – أو ما يُعرف بـ”الهجرة العكسية” – شهد ارتفاعًا حادًا منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، ليصل إلى مستويات لم تُسجّل منذ سنوات طويلة .
تسارع بعد السابع من أكتوبر
التقرير استند إلى بيانات مايسمى الجهاز المركزي للإحصاء (CBS)، التي أوضحت أنه خلال الفترة ما بين 2009 و2021، كان متوسط عدد المغادرين من “إسرائيل “سنويًا نحو 36 ألف شخص ، إلا أن عام 2022 شكّل نقطة تحوّل، حيث ارتفع العدد إلى 55 ألفًا و300 مغادر، بزيادة بلغت 44% مقارنة بالعام السابق ،أما عام 2023 فقد شهد قفزة إضافية بنسبة 33%، إذ بلغ عدد المغادرين 82 ألفًا و700 شخص.
ويشير التقرير إلى أن وتيرة الهجرة تسارعت بعد الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر 2023، والذي خلّف آثارًا اجتماعية واقتصادية ونفسية عميقة داخل “إسرائيل” ومع استمرار الحرب وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية، ازداد عدد من قرروا مغادرة البلاد لفترات طويلة، خاصة مع تنامي الشعور بانعدام الأمان وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة.
وفي المقابل، تراجع عدد “الإسرائيليين” العائدين من الخارج بعد إقامة طويلة،فبينما عاد في عام 2022 حوالي 29 ألفًا و600 شخص، انخفض العدد في 2023 إلى 24 ألفًا و200 شخص فقط. واستمر هذا التراجع خلال عام 2024، إذ عاد نحو 12 ألفًا و100 شخص فقط بين يناير وأغسطس مقارنة بـ15 ألفًا و600 خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وبذلك، بلغ الفارق بين أعداد المغادرين والعائدين نحو 58 ألفًا و600 شخص، ما يعكس خللاً ديموغرافياً متصاعداً
الشباب في المقدمة
ولفت التقرير إلى أن فئة الشباب هي الأكثر مغادرة، إذ يشكّل من تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عامًا حوالي 40% من إجمالي المغادرين و38% من العائدين، وهي نسبة تفوق حصتهم من مجموع السكان التي لا تتجاوز 27%.
تداعيات اقتصادية واجتماعية
وحذّر التقرير من أن مغادرة هذه الفئة المنتجة والمؤهلة من “المجتمع الإسرائيلي” قد تترك تداعيات اقتصادية طويلة الأمد، خصوصًا على القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والتعليم والطب ،كما أشار إلى أن نصف المغادرين تقريبًا في عام 2022 كانوا من المهاجرين الجدد السابقين، أي أولئك الذين استقروا في “إسرائيل” خلال السنوات الماضية قبل أن يقرروا مغادرتها مرة أخرى، وعددهم يقارب 27 ألفًا و500 شخص. ويرى التقرير أن هذه الأرقام تعكس فشل سياسات الاستيعاب والاندماج التي ارتكز عليها المشروع الصهيوني منذ بداياته.
من يغادرون هم الأكثر تعليماً
وكشف التقرير أيضًا أن الغالبية ممن يغادرون البلاد يتمتعون بمستوى تعليمي مرتفع، إذ إن 54% منهم حاصلون على 13 سنة من التعليم أو أكثر، مقارنة بـ44% من عموم السكان، بينما يمتلك 26% منهم مؤهلات أكاديمية كاملة.
قراءة في الأرقام
ويرى عدد من الخبراء “الإسرائيليين” أن هذه البيانات تشير إلى تغيّر جوهري في المزاج العام داخل “المجتمع الإسرائيلي” حيث تتزايد مشاعر الإحباط من الأوضاع الأمنية والسياسية، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع الثقة في القيادة.
ويؤكد التقرير أن غياب خطة وطنية شاملة لمواجهة هجرة العقول والكفاءات يجعل من الصعب كبح هذا النزيف الديموغرافي، الذي يُتوقع أن يستمر في السنوات المقبلة .
أزمة هوية داخلية
ويخلص التقرير إلى أن “إسرائيل” تواجه اليوم أزمة هجرة غير مسبوقة، تعكس فقدان الإحساس بالاستقرار الداخلي، وتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد إذا استمر نزف الكفاءات الشابة باتجاه الخارج دون عودة.