المصدر الأول لاخبار اليمن

القدس تحت المقصلة: كيف يُعيد الاحتلال الإسرائيلي هندسة المدينة عبر المصادرة و الاستيطان

القدس المحتلة/وكالة الصحافة اليمنية

لم تُخفِ سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على مدار العقود الماضية، مشروعها الهادف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا في القدس المحتلة، عبر عمليات استيلاء واسعة للأراضي وتحويلها إلى مستوطنات وبؤر استيطانية وطرق التفافية تُحكم الخناق على المدينة، وتُقصي سكانها الفلسطينيين قسرًا.

بينما تنشغل الأنظار بالعدوان على غزة، تتحرك آلة الاستيطان “الإسرائيلية” بوتيرة غير مسبوقة في القدس المحتلة، مستندة إلى شبكة معقدة من القوانين القديمة والأوامر العسكرية الحديثة، التي تُستخدم كغطاء “قانوني” لشرعنة السيطرة.

هذا التقرير يتتبع أدوات المصادرة، ومساحات الأراضي التي ابتلعتها المشاريع الاستيطانية، والآليات القانونية التي يبتكرها الاحتلال الإسرائيلي لشرعنة السيطرة، وصولًا إلى تركيب الصورة الكاملة لواقع يتغير بسرعة.

 

أرقام تعكس حجم الهجمة

بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد استولت سلطات الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 على أكثر من 52 ألف دونم من أراضي الضفة والقدس، وهو رقم يُظهر بوضوح تسارع إجراءات المصادرة تحت مظلة العدوان على غزة.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أصدر جيش الاحتلال أمرًا عسكريًا جديدًا بالاستيلاء على 77 دونمًا من أراضي بلدتي الزعيم والعيسوية شرقي القدس، بذريعة “الاحتياجات العسكرية”، سبقته مصادرة أخرى طالت 6 دونمات في بلدة عناتا لتوسعة مشروع استيطاني مرتبط بشق طريق جديد يخدم المستوطنات المحيطة.

هذه المصادرات ليست حوادث منفصلة، بل جزء من مخطط أشمل يسعى إلى تنفيذ مشروع “القدس الكبرى”، الذي يستهدف ضمّ مساحات واسعة تصل إلى 12% من أراضي الضفة، عبر شبكة من المستوطنات والطرق الالتفافية والكتل الاستيطانية الضخمة.

 

قوانين جاهزة لابتلاع الأرض

ويبدو أن الاحتلال لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل يوظّف منظومة تشريعية كُيّفت خصيصًا لشرعنة المصادرة.

 

أبرز القوانين المستخدمة

 

قانون المصادرة البريطاني للانتداب (1943)

يمنح سلطات الاحتلال صلاحيات واسعة لمصادرة الأراضي بحجة “المنفعة العامة”، ويُستخدم حتى اليوم لبناء طرق ومرافق استيطانية.

 

قانون التخطيط والبناء

أداة محورية لانتزاع الأراضي بهدف إنشاء مبانٍ عامة أو شوارع التفافية تربط الكتل الاستيطانية ببعضها، مثل ربط القدس بمستوطنة “معاليه أدوميم”.

 

قانون أملاك الغائبين

أخطر القوانين وأكثرها استخدامًا. من خلاله استولت “إسرائيل” على مساحات شاسعة تعود ملكيتها لفلسطينيين لم يتمكنوا من العودة بعد 1967، خصوصًا من يقيمون في الأردن أو دول عربية مجاورة.

 

الأوامر العسكرية والأمنية

تُستخدم بمبررات متعددة: إقامة معسكرات، بناء الجدار الفاصل، أو إعلان مناطق “مغلقة” و”مناطق إطلاق نار”، ما يحرم الفلسطينيين من أراضيهم تمهيدًا لتحويلها لاستخدامات استيطانية.

 

الخبير في القانون الدولي والشأن “الإسرائيلي”، المحامي محمد دحلة، أكد في حديثه لوكالة الصحافة الفلسطينية، أن الفترة الأخيرة شهدت تصاعدًا غير مسبوق في استخدام هذه القوانين لإحكام السيطرة على أراضي القدس، مضيفًا أن “الاحتلال يعمل وفق غلاف قانوني مُعدّ مسبقًا، رغم أن القدس أرض محتلة ويُفترض تطبيق القانون الدولي الإنساني عليها”.

 

ويشير دحلة إلى أن:

 

الاحتلال استولى منذ 1967 على عشرات آلاف الدونمات في المدينة.

بات عدد المستوطنين داخل ما يسمى “حدود بلدية القدس” يفوق 240 ألفًا.

القوانين “الإسرائيلية” تُستخدم بمرونة كبيرة بما يسمح بتحويل أي إجراء مؤقت إلى واقع دائم يخدم المشاريع الاستيطانية.

 

منع الوصول.. الخطوة الأولى للمصادرة

وكشف تقرير صادر عن محافظة القدس، الجمعة الماضية، أن الاحتلال كثّف مؤخرًا إصدار أوامر “المناطق المغلقة” لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم.

وفي أغلب الحالات، يتحوّل المنع المؤقت إلى واقع دائم، ثم تُصادر الأرض لاحقًا باسم “احتياجات الأمن” أو “المصلحة العامة”.

وتعتبر المحافظة أن هذه الإجراءات تأتي في إطار “مسار متسارع لفرض السيطرة الجغرافية وتقليص المساحات المتاحة للفلسطينيين”، بما يؤدي إلى:

تقليص المساحات المتاحة للفلسطينيين.

تقطيع أوصال التجمعات السكانية.

خلق واقع جغرافي يمنع قيام دولة فلسطينية متصلة.

 

الديموغرافيا أولًا: تحويل القدس إلى أغلبية مستوطنين

 

تشير المعطيات التي استعرضها دحلة إلى أن الاحتلال استولى منذ 1967 على عشرات آلاف الدونمات داخل القدس، وأقام عليها مستوطنات كبيرة بات يقطنها اليوم أكثر من 240 ألف مستوطن ضمن ما يسمى “حدود بلدية القدس”، في مقابل تضييق ممنهج على التواجد الفلسطيني.

ويكشف دحلة، أن ما يجري في القدس ليس مجرد توسع استيطاني، بل مشروع إعادة هندسة مدينة كاملة.

ووفق دحلة، أداة هذا المشروع ليست الجرافات وحدها، بل القانون، والجيش، والطرق الالتفافية، والمنع الأمني، وصناعة واقع ديموغرافي جديد تُصبح فيه الأغلبية للمستوطنين.

وبحسب تقرير محافظة القدس، يُظهر أن مشروع الاستيلاء على الأراضي في القدس ليس إجراءً طارئًا أو رد فعل سياسي، بل استراتيجية متكاملة يستخدم فيها الاحتلال الإسرائيلي القوانين والأوامر العسكرية والطرق الالتفافية ومشاريع التهويد، بهدف إعادة تشكيل المدينة كليًا، وقطع اتصالها الجغرافي مع الضفة، وتحويل الفلسطينيين إلى أقلية محاصرة داخل مساحات تتقلص باستمرار.

ويبدو أن ما يحدث اليوم هو تثبيت لوقائع على الأرض تُغيّر شكل المدينة وهويتها، وتُعيد رسم مستقبلها بعيدًا عن أصحابها الأصليين، في مشهد بات يتسارع كلما ازدادت انشغالات المنطقة والعالم.

كما يمكن القول: إن ما يجري في القدس اليوم ليس مجرد مصادرة للأرض، بل هندسة جغرافية وديموغرافية تُنفذ بخطوات محسوبة، بينما يراقب الفلسطينيون تقلص مدينتهم في صمت عالمي مطبق.

قد يعجبك ايضا