تُمثّل محافظة حضرموت شرق اليمن ارتكازاً محورياً ومهمًا في سياق الصراع الإقليمي والدولي الدائر في اليمن.
وقد شهدت حضرموت في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في التحركات العسكرية والسياسية الأمريكية والبريطانية، مما أثار تساؤلات واسعة حول الأهداف الحقيقية وراء هذا التواجد المتنامي.
تسوق الإدارة الأمريكية هدف “ضرب القاعدة ومكافحة الإرهاب” كمظلة رسمية لتبرير تواجدها العسكري والعملياتي في اليمن؛ ليصبح هذا الهدف غطاءً لأهداف أخرى أكثر عمقاً، خاصة مع اتساع الانتشار الأمريكي في مواقع لا ترتبط بالضرورة بمناطق الاشتباك المباشر مع التنظيمات الإرهابية.
تبرز الأهداف الاقتصادية كواحدة من الدوافع غير المعلنة؛ إذ تؤكد التحليلات أن التواجد الأمريكي يرتبط بشكل وثيق بالثروات الطبيعية والموقع الجغرافي الحيوي للمحافظة. فنظراً لما تتمتع به حضرموت من ثروات نفطية وغازية، تتواجد هذه القوات في وادي حضرموت، مما يمنح واشنطن نفوذاً مباشراً على العصب الاقتصادي للمحافظة.
وفيما يتعلق بالموقع الجغرافي، يُعد بحر العرب عاملًا حاسمًا في الاستراتيجية الأمريكية، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة. كما يتم العمل على تحويل مطار الريان إلى قاعدة عسكرية مغلقة وبرج مراقبة لحركة الملاحة العالمية في بحر العرب.
إن رغبة واشنطن في التحكم بالممرات البحرية الممتدة من بحر العرب إلى باب المندب يضمن لها حرية الملاحة والتجارة العالمية، ويخدم استراتيجيتها في مواجهة التهديدات الإقليمية. كما يهدف التواجد الأمريكي إلى تثبيت النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية، مما يمنحها ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات مستقبلية حول تسوية الصراع اليمني، وهي إحدى الأوراق التي يراهن عليها التحالف.
عطفاً على الأحداث الجارية في حضرموت حالياً من حرب بالوكالة بين السعودية والإمارات، تتواجد أمريكا لإدارة هذا الصراع وضمان عدم خروجه عن السيطرة بما يخدم مصالحها.
وقد حظيت سيطرة الفصائل التابعة للإمارات على مناطق شرق اليمن، بإشادة إسرائيلية، جاءت على لسان الخبير الصهيوني، آفي أفيدان، الذي قال إن توسع الفصائل التابعة للإمارات شرق اليمن “جزء من عبقرية خلقتها الإمارات باستراتيجية الكماشة” مع إسرائيل”، واصفا تلك السيطرة بـ “النجاحات العسكرية البارعة”.
أضاف أفيدان، في منشور على منصة “إكس” أن “قوات المجلس الانتقالي استولت على سيئون ببراعة دون مقاومة تُذكر”، معتبراً أن ذلك وضع “أكبر احتياطيات اليمن النفطية تحت سيطرة التحالف الجنوبي الطموح”، إضافة إلى السيطرة على القصر الرئاسي ومطار سيئون الدولي.
وأضاف الخبير الإسرائيلي أن هذه السيطرة تهدف إلى “تأمين الموانئ والنفط وطرق التجارة التي تؤثر على 30% من الشحن العالمي”، في إشارة إلى الممرات البحرية الحيوية قبالة السواحل اليمنية.
وصف سياسيون التحركات الأمريكية والبريطانية في حضرموت بأنها تشير إلى وجود مشروع أمريكي جديد هناك، لما للمحافظة من أهمية بالنسبة للأمن الدولي، الذي يُعد الدافع والمُحرّك الأساسي للاهتمام الأمريكي والدول الأوروبية الساعية لتحقيق مصالحها.
أوضح محللون أن أمريكا تسعى إلى تشكيل وحدات عسكرية جديدة من أدوات التحالف، تكون تحت إشراف القوات الأمريكية (قيادة الأسطول الخامس)، وتحمل اسم “قوات حماية السواحل”. كما تهدف إلى تجنيد المئات من الأفراد في أمريكا؛ وهذا ما كشف عنه السفير الأمريكي ستيفن فاجن خلال زيارته لمدينة سيئون في أغسطس 2023، عندما تحدث عن دورات تدريبية منحتها الولايات المتحدة لمنتسبي القوات المسلحة التابعة لـ (حكومة التحالف)، مؤكّـداً أنه تم اختيار عدد كبير من الجنود للتدريب في الولايات المتحدة.
وفي أغسطس 2023، ظهرت قوات المارينز الأمريكي في مدارس ثانوية بالغرفة بمدينة سيئون؛ وكان الهدف من زيارة المدارس عبر المسؤول الأمريكي هو تقديم مغريات جديدة تمنح العشرات من الطلاب فرصة الالتحاق بدورات تدريبية عسكرية في الولايات المتحدة. إن التواجد المباشر لأمريكا وبريطانيا في حضرموت وشبوة والمهرة هو عملية تموضع تؤكد أن دور الوسيط والوكيل من ميليشيا التحالف قد انتهى.
ويُشير هذا التواجد إلى أنه أثر على مسار السلام في اليمن وأفشل كل التحركات من أجل تحقيقه.
محافظ حضرموت السابق مبخوت بن ماضي قال في مايو 2023 إن هناك شراكة مع الأمريكان لإقامة استثمارات اقتصادية مشتركة في حضرموت، مشيراً إلى أن الاهتمام الأمريكي الأخير يوحي باستثمارات قادمة، وأن زيارة السفير الأمريكي جاءت لتفقد المحافظة الشاسعة التي واجهت الإرهاب. وأضاف أن “اهتمام أمريكا بحضرموت نابع من إطلالتها على بحر العرب المتصل بالمحيط الهندي، وتدفق حركة التجارة البحرية وسلسلة الإمدَاد، وأيضاً محاصرة إيران في بحر العرب، مشيراً إلى وجود استقطاب دولي لتأمين المصالح المستقبلية لعدة أطراف” حد قوله.
بينما كشف الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، في رسالة للكونجرس في 12 مايو 2023 أنه مدد حالة الطوارئ الخاصة باليمن، والتي تتضمن نشر قوات أمريكية على الأراضي اليمنية، بينما كانت الولايات المتحدة قد عملت في فبراير من نفس العام على نشر منظومات دفاع جوي في محافظات حضرموت، وهي خطوات تعكس الاهتمام الأمريكي الخاص بمحافظة حضرموت قبل أن يتسع اهتمام واشنطن ليشمل محافظة المهرة أقصى شرق اليمن، حيث لم تتردد القوات الأمريكية بالكشف عن ظهورها بشكل علني من خلال الاشتراك بعملية أمنية اتجهت للبحث عن رئيس لجنة الاعتصام القبلي في المهرة الشيخ علي الحريزي، إضافة إلى قيام القوات الأمريكية بعمليات إطلاق نار أدت إلى مقتل واصابة عدد من الصيادين في محافظة المهرة.
وفيما يلي بعض من أبرز التحركات العسكرية الأمريكية والبريطانية المسجلة في مناطق شرق اليمن خلال شهر أغسطس 2023 فقط :
2 أغسطس 2023: زار الملحق العسكري للسفارة البريطانية بيتر ليجايسك برفقة كبير مستشاري الأمن ماكس جاندل ووفد من الخارجية البريطانية محافظة مأرب، وعقدوا لقاءات مع قيادات الميليشيا العسكرية.
19 أغسطس 2023: وصلت قوات بريطانية بطريقة سرية إلى غيل باوزير بمحافظة حضرموت وانتشرت في منطقة مزارع الشين الزراعية بحماية من القوات الإماراتية، بهدف إنشاء قاعدة عسكرية لها في غيل باوزير القريبة من الساحل.
21 أغسطس 2023: عقد محافظ شبوة لقاءً مع تشارلز هاربر، القائم بأعمال سفير المملكة المتحدة، نُوقش فيه جوانب عسكرية وأمنية تضمنت السماح بنشر وحدات بريطانية في شبوة بالقرب من المناطق النفطية، تحت مبرّر تعزيز دور الإمارات في استتاب الأمن.
25 أغسطس 2023: وصلت طائرة عسكرية بريطانية تحمل تعزيزات لقوات بريطانية إلى مطار الغيضة الخاضع للقوات السعودية بمحافظة المهرة.
28 أغسطس 2023: وصلت فرق عسكرية أمريكية على متن طائرة عسكرية سعودية إلى مدينة سيئون، وأُحيطت الزيارة بسرية تامة، وشملت مسؤولاً أمنياً كبيراً في السفارة الأمريكية، وقام الوفد بزيارة مدينة تريم ومستشفى سيئون العام.
29 أغسطس 2023: ظهرت قوات عسكرية من المارينز الأمريكي أثناء زيارة الوفد الأمريكي إلى قرية الغرفة بوادي حضرموت.
30 أغسطس 2023: وصل السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن إلى سيئون، ثاني كبرى مدن محافظة حضرموت النفطية.