لم يحدث أن شهد العالم انتشارا لحالة الفوضى، مثل التي تعايشها الإنسانية اليوم بعد انفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي.
ومنذ اجتياح أفغانستان على يد الولايات المتحدة عام 2001 أخذت المنظومة الدولية تسجل انهيارات متتالية، تمثلت بغزو العراق، مروراً بالحرب على اليمن، قبل تظهر نزعة الغطرسة الأمريكية بأبشع صورها في جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي بدعم وشراكة أمريكية.
يبدو أن الحوافز العدائية التي تنتهجها الولايات المتحدة، خارج القانون الدولي، تنبع من مخاوف واشنطن من فقدان مركزها باعتبارها القوة الأولى عالمياً، عقب تنامي حدة المنافسة التي تتعرض الولايات المتحدة من قبل الصين.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تحاول الحفاظ على تفوقها الاقتصادي والعسكري، من خلال تقويض القانون الدولي، وتغييب دور الأمم المتحدة، بغرض الهروب من المساءلة، في إطار نوايا لم تعد مضمرة، لاستباحة الشعوب ونهب ثروات الدول، حيث قامت الولايات المتحدة بنهب ثروات تقدر باثنين ترليون دولار من أفغانستان خلال عشرين عاماً، قبل أن تؤمن واشنطن سيطرتها على معادن أفغانستان عبر عقود استثمار، قبيل انسحاب الاحتلال الأمريكي في أغسطس 2021 وهو انسحاب لم يرق الرئيس الأمريكي صاحب الرؤى الاستغلالية للشعوب، والذي اعتبر انسحاب إدارة سلفه بايدن من أفغانستان سبباً في خسارة الولايات المتحدة للإمكانيات الاقتصادية الضخمة التي تتمتع بها أفغانستان.
الأمر في العراق لم يكن مختلفا عما حدث في أفغانستان، حيث تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة، إلى جانب سرقة كميات ضخمة من النفط العراقي كانت تهرب بشكل غير رسمي، عملت على بيع سعر نفط العراق بمبلغ 17 دولاراً للبرميل الواحد، حين كان سعر البرميل يصل إلى 75 دولار، مما أدى إلى سرقة مئات المليارات من أموال الشعب العراقي، بينما بددت الإدارة الأمريكية عشرات المليارات من أموال عوائد النفط العراقي على مشاريع وهمية في مجال إعادة اعمار العراق.
في سوريا سيطرت الولايات المتحدة على منابع النفط شرق البلاد، وأخذت في بيع النفط السوري، لتمويل عمليات الجيش الأمريكي، والجماعات التابعة لها في سوريا.
اليمن هي الأخرى كانت واحدة من أبرز الساحات الشاهدة، على خروج سياسات الولايات المتحدة، عن المنطق، وتوجهات واشنطن لإخضاع الشعوب باستخدام القوة، خارج مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، حيث عمدت أمريكا إلى تبني ورعاية الحرب على اليمن، بينما أظهرت واشنطن اهتماماً خاصاً بمناطق شرق اليمن، والتي تحتوي على كميات هائلة من النفط والغاز، إلى جانب المساعي الأمريكية للسيطرة على سواحل وجزر اليمن في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي والمحيط الهندي. ويرى كثير من اليمنيين أن الولايات المتحدة تقف بشكل مباشر وراء التحركات الأخيرة للفصائل التابعة للإمارات والتي فرضت سيطرتها على محافظتي حضرموت والمهرة، شرق اليمن، ضمن مخطط أمريكي يهدف إلى استئناف الحرب في اليمن عن طريق الفصائل التابعة للسعودية ولإمارات، بغرض تأمين خطوط الملاحة البحرية للاحتلال الإسرائيلي من جهة، بعد أن عملت قوات حكومة صنعاء، على منع مرور السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، وتوجيه ضربات جوية إلى عمق الكيان الصهيوني، دعما للشعب الفلسطيني في وجه مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، خلال معركة طوفان الأقصى، وهو موقف ترى فيه الولايات المتحدة تهديدا ينبغي التخلص منه لضمان تفوق الكيان الصهيوني في المنطقة.
سياسات انتهاك سيادة الدول ونهب ثروات الشعوب، لم تستثني أحد في الشرق الأوسط، حيث يبدو أن الدول الخاضعة للتبعية الأمريكية، هي أكبر من يتعرض للنهب من الولايات المتحدة، حيث تمثل دول الخليج الغنية بالنفط في الجزيرة العربية، واحدة من أبرز مظاهر الهيمنة الأمريكية، والتي أصبحت واشنطن تتعامل معها باعتبارها دول تابعة لا تمتلك أي شروط.