المصدر الأول لاخبار اليمن

زيارة البركاني إلى عدن.. رأب للصدع أم شرعنة للإنفصال؟

تحليل | وكالة الصحافة اليمنية

لم تكن زيارة ما يسمى رئيس مجلس النواب الموالي للتحالف سلطان البركاني إلى عدن محاولة لـ”رأب الصدع” داخل ما يُعرف بمعسكر “الشرعية” الموالية للتحالف في اليمن، كما يُراد لها أن تُفهم إعلاميًا، بل جاءت في سياق سياسي مختلف تمامًا، يمكن قراءته بوصفه خطوة متقدمة في مسار شرعنة الانفصال بشكل غير معلن، فالزيارة، بتوقيتها ومكانها وترتيباتها الرمزية، لم تستهدف إعادة ترتيب وضع ما يُسمى بالشرعية على أساس الدولة اليمنية الموحدة، بقدر ما عملت على تكييفها مع الواقع القائم على الأرض.

 

توقيت الزيارة يكشف بوضوح هدفها الحقيقي، إذ جاءت بعد أن مكّنت السعودية والإمارات “المجلس الانتقالي الجنوبي” من فرض سيطرته الفعلية على محافظات جنوب وشرق اليمن، عقب إقصاء جميع القوى العسكرية والأمنية المحسوبة على ما يُسمى بـ”الشرعية”، لا سيما في حضرموت والمهرة.

 

 هذا التوقيت لا يمكن فصله عن منطق “ما بعد إعادة ترتيب الاوضاع ” حيث تنتقل السعودية والإمارات من إدارة الصراع عسكريًا إلى إعادة صياغته سياسيًا، بما يضمن تثبيت النتائج على الأرض ومنحها غطاءً رسميًا، دون الاضطرار إلى إعلان الانفصال بشكل مباشر، بما قد يترتب عليه من كلفة سياسية وإقليمية ودولية، في الوقت الحاضر.

 

أما اختيار قصر معاشيق كمكان للقاء البركاني بعيدروس الزبيدي، فيحمل دلالة سيادية عميقة، فالقصر الذي يُفترض، وفق خطاب ما يُسمى بـ«الشرعية» الموالية للتحالف، أنه رمز لسلطة الدولة اليمنية، تحوّل في هذا المشهد إلى منصة اعتراف عملي بسلطة موازية تتصرف كحكومة أمر واقع في الجنوب، ويزداد هذا المعنى وضوحًا عندما يُستقبل رئيس ما يسمى مجلس النواب، وهو المفترض أعلى سلطة تشريعية شكلية، من قبل رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” في هذا الموقع تحديدًا، بما يعني أن ما يُسمى بـ”الشرعية” لم تعد تتعامل مع الانتقالي ككيان ضمن إطارها ،أ بل كسلطة قائمة يُعاد تعريف العلاقة معها على أساس ما يراه السعودي والاماراتي، لا على أساس وحدة الدولة.

 

ويتكرّس هذا الاتجاه مع غياب علم الجمهورية اليمنية عن اللقاء، وهو غياب لا يمكن تفسيره بوصفه سهوًا بروتوكوليًا، ففي السياسة، الرموز تسبق النصوص، وغياب العلم الموحد يعكس قبولًا ضمنيًا بأن هذا اللقاء جرى خارج إطار الدولة الواحدة، ويعبر عن تقسيم رمزي لليمن عن، بما ينسجم تمامًا مع مشروع الفصل الواقعي دون إعلان رسمي.

 

كما أن حضور المحسوبين على الحكومة الموالية للتحالف من القيادات العسكرية والأمنية الرفيعة، من وزير الدفاع إلى مستشار شؤون الأمن والدفاع وقادة المناطق العسكرية، في اللقاء، يمنح هذا المسار بعدًا مؤسسيًا لا يمكن تجاهله، فالمؤسسة العسكرية، التي يُفترض أنها المسؤولة عن الحفاظ على الوحدة، بدت في هذا اللقاء جزءًا من عملية منح الغطاء السياسي لكيان انفصالي هو “المجلس الانتقالي الجنوبي”، بما يسمح له بإدارة محافظات جنوب وشرق اليمن أمنيًا وعسكريًا، مقابل حصر دور ما يُسمى بـ”الشرعية” في وظيفة خارجية محدودة، تتمثل في تمثيل اسمي للدولة اليمنية أمام المجتمع الدولي دون امتلاك سلطة فعلية على الأرض.

 

في هذا السياق، لا يمكن فهم زيارة سلطان البركاني إلى عدن إلا باعتبارها خطوة ضمن صفقة غير معلنة تقوم على تمكين المجلس الانتقالي الجنوبي من إدارة محافظات جنوب وشرق اليمن بشكل كامل، سياسيًا وأمنيًا، مقابل الإبقاء على “الشرعية” كغطاء دبلوماسي هش في المحافل الدولية.

هذا الغطاء لا يُراد له أن يحكم أو يدير، بل أن يؤجل الأسئلة الجوهرية المرتبطة بالانفصال إلى لحظة إقليمية ودولية أكثر ملاءمة.

 

 

وعليه، فإن هذه الزيارة لا تمثل مجرد حدثا سياسيا عابرا، بل تؤسس لشرعنة الانفصال عمليًا، بوصفه وضعًا مؤقتًا تفرضه “ضرورات المرحلة”، إلى حين ترى كل من الإمارات والسعودية أن الكلفة السياسية لإعلان الانفصال رسميًا أصبحت أقل من كلفة الإبقاء على هذا الوضع الرمادي، وعندها، لن يكون الإعلان سوى تتويج لمسار بدأ منذ وقت طويل، وكانت زيارة سلطان البركاني إلى عدن إحدى محطاته الأكثر وضوحًا ودلالة.

قد يعجبك ايضا