المصدر الأول لاخبار اليمن

38 عامًا على انطلاقة حماس: من رحم الانتفاضة إلى فاعل مركزي في معادلة الصراع

تقرير| وكالة الصحافة اليمنية

جاء تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أواخر عام 1987 في سياق سياسي واجتماعي شديد التعقيد، تميّز بانسداد المسار السياسي أمام الشعب الفلسطيني، وتراكم طويل من القمع، وتصاعد الاستيطان، وتراجع قدرة الأطر الوطنية التقليدية على احتواء الغضب الشعبي.

في هذا المناخ، وتآكل المشروع الوطني، وتصاعد الانتهاكات بحق الأرض والإنسان، لم يكن ظهور الحركة فعلًا أيديولوجيًا مجردًا، بل استجابة تبرز الحاجة إلى إطار تنظيمي جديد يعيد صياغة الفعل الفلسطيني، ويجمع بين الهوية الدينية والبعد الوطني.

تميّزت حماس منذ لحظتها الأولى بمحاولة الجمع بين مرجعيتين: الإسلامية والوطنية، وهو جمعٌ لم يكن سهلًا في ساحة فلسطينية تعجّ بالتيارات، لكنه منح الحركة قدرة على مخاطبة شرائح اجتماعية واسعة، خصوصًا في المخيمات والبيئات المهمّشة.

السؤال الذي يفرض نفسه بعد 38 عامًا: كيف تحولت “حماس” من مشروع دعوي–اجتماعي إلى أحد أكثر الفاعلين تأثيرًا في المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي؟

يقول الصحفي الفلسطيني محمد شاهين في حديث مع وكالة الصحافة اليمنية: “حركة حماس، ليست مجرد رد فعل عابر على واقع الاحتلال، بل هي تعبير حيّ عن إرادة شعب اختار أن يواجه القهر بالثبات، والعدوان بالكرامة.

وفي السياق التاريخي والنضالي قال شاهين: “تبرز حماس كحركة تحرر وطني تمارس نضالها ضمن ما كفله القانون الدولي للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، كما نصّت عليه اتفاقيات جنيف ومواثيق الأمم المتحدة، التي تعطي الحق في مقاومة الاحتلال بكافة الأشكال، بما فيها الكفاح المسلح”.

يضيف شاهين: “تؤمن حماس والشعب الفلسطيني انه ما من شعبٍ نال حريته إلا بعد أن قدّم من دمه ما يشهد على صدق دعواه. وحماس، ليست حزبًا يُنافِس على سلطة، بل حركة عقيدة ونضال، شرعيتها من ميادين الشهداء، لا من دهاليز السياسة. إن الذين يمضون إلى الموت دون وجل، لا يفعلون ذلك طمعًا في مغنم، بل إيمانًا بأن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع. وحين تختار أمةٌ أن تُحاصر ولا تُساوِم، أن تُقاتل ولا تُسايِر، فإنها قد خطّت درب النصر، مهما طال الزمن، ومهما اشتدّ الحصار”.

 

الشيخ أحمد ياسين: القائد الذي أسّس الفكرة قبل التنظيم

تشير شهادات باحثين ومقربين من الحركة إلى أن الشيخ أحمد ياسين لم يُقدَّم بوصفه قائدًا ميدانيًا بقدر ما كان مهندسًا فكريًا وتنظيميًا. لم يؤسس تنظيمًا بالمعنى الحركي فقط، بل أسّس رؤية مقاومة. فقد ركّز في سنوات التأسيس على بناء قاعدة اجتماعية متماسكة، انطلاقًا من العمل الخيري والدعوي، قبل الانخراط المباشر في المواجهة.

رجل مقعد جسديًا، لكنه حاضر سياسيًا وفكريًا، استطاع تحويل الغضب الشعبي إلى مشروع منظم، يستند إلى التعبئة المجتمعية قبل العمل العسكري.

اعتمد ياسين على ثلاث ركائز: التجذر الشعبي عبر المساجد والعمل الخيري، إلى جانب إعادة تعريف المقاومة كحق وواجب، و الاستثمار في الشباب بوصفهم رافعة المستقبل.

 

اغتياله عام 2004 شكّل محطة مفصلية، لكنه لم ينهِ المشروع، بل أعاد إنتاجه بقيادات أكثر تشعبًا.

 

التأسيس بوصفه نتيجة لا خيارًا

تشير تقديرات باحثين في الشأن الفلسطيني إلى أن أكثر من 60% من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية آنذاك كانوا دون سن 25 عامًا، وهي فئة شعرت بغياب التمثيل السياسي، ما وفّر بيئة خصبة لبروز تنظيم جديد يعيد صياغة الفعل الوطني من القاعدة.

 

التحول إلى المقاومة المسلحة: الضرورة أم الخيار؟

مع اندلاع الانتفاضة الأولى، انتقلت “حماس” تدريجيًا من الفعل الاجتماعي إلى العمل المقاوم، في خطوة يمكن قراءتها بوصفها استجابة لضغط الشارع بقدر ما هي قرار تنظيمي.

وتشير بيانات حقوقية إلى أن هذه المرحلة ترافقت مع:

قيام الاحتلال الإسرائيلي بتصعيد واسع شمل الاغتيالات والاعتقالات تم خلالها اعتقال آلاف من كوادر الحركة خلال عقد واحد واغتيال معظم الصف القيادي الأول بين عامي 2001 و2004.

 

الشهداء والشرعية: أرقام تتحدث

في خطاب حماس، لم تكن الشرعية مستمدة من الانتخابات فقط، بل من الميدان.

فالتضحيات البشرية، وامتداد العمل المقاوم، أسهما في ترسيخ صورتها كحركة “تدفع الثمن”، لا تكتفي بالشعارات.

بحسب إحصاءات فلسطينية:

فقدت الحركة مئات من قادتها وكوادرها خلال الانتفاضتين، وشكّل كوادرها نسبة ملحوظة من إجمالي الشهداء خلال فترات التصعيد الكبرى، كما تحوّل الاغتيال السياسي إلى عنصر بنيوي في صراعها مع الاحتلال.

هذا الواقع عزّز صورتها كحركة “تدفع الثمن”، لكنه في الوقت نفسه رفع كلفة الفعل السياسي، وربط شرعيتها بشكل متزايد بمواجهة الاحتلال والتصدي لجرائمه.

يقول محمد شاهين: “ما قدمته حماس بقيادتها وجنودها وشعبها في غزة ليس فقط ملحمة صمود، بل هو تحوّل في معادلات القوة. إن شعبًا يُحاصر ويُقصف، ثم ينهض من تحت الركام ليقاتل، لا يمكن أن يُهزم. وأكاد أرى في أفق الأحداث أن النصر لن يأتي من قصور التفاوض، بل من أزقة غزة، ومن بين أيدي رجالها الذين لا يلينون.”

ويضيف: “منذ تأسيسها، قدمت الحركة نموذجًا حيًا في الثبات والتضحية، حيث دفعت مئات الشهداء من قادتها وكوادرها في مسيرة طويلة من المواجهة، لم تتخلّ فيها عن خيار المقاومة رغم كل الضغوط. خلال الانتفاضتين، ومرورًا بالحروب المتكررة على غزة، أثبتت حماس أن كلفة الثبات أقل بكثير من ثمن التنازل عن الحقوق والثوابت”.

 

انتخابات 2006: لحظة الذروة والاختبار

مع صعود إسماعيل هنية، دخلت الحركة مرحلة جديدة، عنوانها الموازنة بين المقاومة والحكم.

فالمشاركة في انتخابات 2006 لم تكن قرارًا عابرًا، بل خيارًا استراتيجيًا أدخل حماس إلى قلب النظام السياسي الفلسطيني.

فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 بحصولها على 74 مقعدًا من أصل 132 لم يكن حدثًا انتخابيًا فحسب، بل زلزالًا سياسيًا. أعقبه: حصار مالي وسياسي دولي، وتجميد مساعدات بمئات ملايين الدولارات، وشلل مؤسساتي انعكس مباشرة على حياة المواطنين، وصدامًا داخليًا واختبارًا صعبًا بين متطلبات السلطة وثوابت المقاومة.

ورغم ذلك، حافظت على حضورها، مستندة إلى خطاب الشرعية الشعبية ورفض الإملاءات الخارجية.

يقول شاهين: فوز حماس في انتخابات 2006 مثّل انتقالًا من خانة المقاومة فقط إلى معادلة جديدة عنوانها الحكم السياسي والمقاومة معًا، ورغم الحصار والعقوبات والتحديات، استطاعت أن تحافظ على توازن صعب، مدعومة بشرعية شعبية وميدانية.

 

بعد 38 عامًا.. ماذا بقي من الفكرة الأولى؟

اليوم، وبعد ما يقارب أربعة عقود، لم تعد “حماس” مجرد حركة ناشئة، بل: فاعل إقليمي مؤثر، ورقم صعب في أي تسوية، ونموذج ينظر إليه باحترام في مختلف أنحاء العالم، حيث نجحت الحركة في ترسيخ معادلة تقول إن القضية الفلسطينية لم تُطوَ، وأن محاولات طمس الهوية لم تُفلح.

 

حركة تشبه شعبها

قصة حماس هي، في جوهرها، قصة شعب لم يقبل الهزيمة النهائية، ولم يرضخ للظلم، قدمت التضحيات وسقت الأرض بالدماء من أجل التحرير والكرامة.

حركة تغيّرت وتعرضت لأبشع حروب الإبادة الجماعية، لكنها بقيت متصلة بجذرها الأول: فلسطين عربية لن تقبل بالتقسيم والاحتلال، وبأن فلسطين ستبقى حية ومتجذرة في ذاكرة التاريخ.

ختاماً، تُظهر مسيرة حماس أن الحركات التي ولدت من رحم الأزمات تحمل في داخلها قضايا مصيرية. فهي حركة قاومت فصمدت، وحكمت فاستُنزفت، حوصرت بسياق أكبر منها لكنها بقيت فاعلة ومثرة نجحت في إعادة القضية الفلسطينية إلى الأضواء بعد سنوات حاولت فيها أمريكا والاحتلال الإسرائيلي طمسها.

قد يعجبك ايضا