تحليل/د.ميخائيل عوض//
بعض اليمن.. وكل الإيمان والحكمة والرجولة.. كل العروبة والإسلام والقيم الإنسانية.
بل سرُّ الله في اليمن، أشرف خلقه وأطهرهم.
سطروا بوعي وعزيمة وبشراسة نادرة أروع أسطورة في الأزمنة. وتفوقوا على كل الشعوب وتجاربها التاريخية، في الحروب والقتال والمقاومات على مر الدهور.
بعض اليمن نعم؛ وكلُّ الإيمان والرجولة والحكمة، تجسدت ساعة هبَّ اليمنيون يناطحون المستحيل، ويناصرون فلسطين وأهل غزة، ومن بعد ٢٠٠٠ كيلومتر. بينما زاعِموا العروبة، والحاكمون باسم الإسلام على بعد قرار، ورفع إصبع، وبضعة أمتار، لإطعام غزة وتأمينها، ولم يفعلوها ارتهاباً وجبناً وخيانةً.
اليمن فعلها!… أما هم فغدروا وناصروا عدو الله والانسانية والعروبة والايمان.
بعض اليمن؛ وكلُّ الفروسية والشجاعة والإيمان، وضعت اليمن في مصاف القوى الكبرى، القادرة على القيادة والفعل، في زمن إعادة هيكلة العرب والإقليم، بدءاً من الخليج ونجد والحجاز.
اليمن الذي تَنَكَّب مهمة النصرة، تعرض لحروب مدمرة منذ ٢٠٠٤. فقد تعرضت صعدة وأنصار الله لستة حروب ظالمة على يد النظام السابق، بتمويل وإسناد من أسر الخليج، وتخطيط وإدارة من أمريكا وإسرائيل. ثم تعرضوا لحرب أهلية ضروس، بذات القوى والأدوات والدعم. وشنَّت السعودية ومعها ٤٠ دولة وكل مرتزقة العالم، حرباً ظالمة وحصاراً قاسياً لسبع سنوات، بددت فيها مئات مليارات الدولارات، وبقيادة ضباط ومرتزقة أمريكيين وإسرائيليين، وبأوامر أمريكية.
اليمنيون متمرسون بالقتال منذ بدء الخليقة، وبالإيمان والحكمة.
علاقتهم بغزة تضرب جذورها في عميق التاريخ منذ سبأ ١٠٠٠قبل الميلاد. التي كان ساحل غزة جزء من أمنها، ومحطة تجارتها إلى اليونان والساحل الفينيقي، وامتدادات الفراعنة.
واليمنيون بناة العمران، فأُولى ناطحات السحاب في صنعاء وحضر موت، وأُولى السدود وشبكات الري.
أسياد البحار، فبلغوا أقاصي المعمورة، واستوطنوا الجزر، وأَثروا التجارة في الهند والصين وسواحل المتوسط والأطلسي.
وبرغم معاناتهم من الحروب الظالمة، والغزوات والحصار، ونهب ثرواتهم، رفضوا تقسيم اليمن. بل قلبهم وعينهم على الوحدة، واستعادة الأمجاد، وتكبير الجغرافية لا تفتيت المُقَسَّم، ورفضوا نُظُم المحاصصات ودساتيرها. وتحالفوا مع إيران، وبايعوا السيد حسن نصرالله، ولم يقبلوا أي إملاءات و تدخلات، ورفضوا النصائح التي لا تطابق رؤيتهم ومشروعهم، وأسقطوا كل الجهود والمحاولات التي بذلها السفراء والمندوبون.
برغم الفقر والجوع والعري، وما لحق بهم من تدمير للبنى التحتية، بما فيها المدارس والطرقات والجسور والمقابر، أعدوا ما استطاعوا من “قوة ومن رباط الخيل”، واستثمروا بثروتهم البشرية. فأتقنوا صناعة السلاح، وتمكنوا من أفضل أنواع الصواريخ للدفاع الجوي، وصواريخ البحر، وبلغوا الفرط صوتي، والمسيَّرات النوعية. سابقين أمريكا والأطلسي، وعلى تخوم ما أنجزته روسيا والصين!
ومن عجائبهم؛ أنهم لم يرتهبوا لتهويلات أمريكا، وعراضات قوتها الجوية والبحرية، ولا اهتزت شعرة من رؤوسهم لحلف الازدهار، ولإعلان العالم الانجلو ساكسوني الحرب عليهم. ولا انتقص من عزائمهم عراضات نتنياهو الجوية، بشراكة وإدارة من البنتاغون وأعوانه. ولا ترددوا أو خافوا من قصف المطارات والموانئ وشركات الطاقة والمعامل وخزانات الوقود والمشافي.
بحنكة وحكمة واقتدار، وبوعي ثوري، حَفزوا ناسهم على التظاهر الأسبوعي، وأَمنوا التعبئة الوطنية الشاملة. وصارت الشوارع والساحات تفيض بالملايين أسبوعياً، وتبايع القيادة، وتهتف “الموت لإسرائيل؛ الموت لأمريكا”
عُدَّتُهم كاملة وحيوية، من الرجال والسلاح، وقرروا خوض البحر، وتحدي المستحيل.
لم يتهيبوا استشهاد السيد حسن نصرالله، ولا ارتهبوا لخروج لبنان والعراق وسورية من وحدة الجبهات وانكفائهم، ولا تحسبوا أو ترددوا بسبب استراتيجيات إيران في الصبر والبصيرة، وتحمل الضربات والمناورة لمنع وقوع الحرب العظمى.
قرروا من رؤوسهم، ولإرادتهم والتزاماتهم، العودة لنصرة غزة. وأمطروا إسرائيل بما تيسر من المسيَّرات النوعية، والصواريخ الفرط صوتية وأخواتها.
لم يتحسبوا ولا تخوفوا، من كذبة تفوق إسرائيل، وأمريكا، والعالم الانجلو ساكسوني الظالم بالقوة النارية، أو بالسيطرة الالكترونية والسيبرانية، ولا خافوا على قياداتهم وكوادرهم وعائلاتهم.
يَّمموا وجوههم نحو السماء، مقتنعين أنهم من “خير أمةٍ أُخرِجت للناس”.
واستجابوا لنداء الله في كتابه العزيز، وعملوا بإلزام الآية الكريمة؛ {ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين..}
فالقتال لنصرة غزة ومستضعفيها هو القتال في سبيل الله. لا قتل المسلمين والعرب، ونشر الفوضى، لتخديم إسرائيل، وتحقيق غايات ومصالح أمريكا، واستعبادها، وظلمها للشعوب، وتدميرها للأمم.
عشرون سنة ونيف وهُم على السلاح، وفي الميادين. وبِعُرفِهم أفضل الحروب وأطهرها قتال الباغي، والمُتسبب بتخلف الأمة وتقسيمها وتجزئتها، ونهب ثرواتها وسيادتها وحقوقها.
عقلانيتهم وحكمتهم جعلتهم يديرون الظهر والآذان عن دعواتٍ صبيانه لفتح حرب ضد التقسيميين والمرتزقة من إخوتهم اليمنيين. ولا قَبِلوا استهداف السعودية والإمارات وقطر والأخريات، التي ابتلتهم بالغزو والحصار والتجويع.
وبِعُرفِهم هذه مهمة آجلة، وسيتحقق هدف توحيد اليمن، وتَمكُنه، واستعادته لحقوقه، ومكانته من الجميع، بعد إلحاق الهزيمة بإسرائيل، وكسر عنجهية وأذرع وعناصر قوة أمريكا بنفسها وبعالمها الانجلو ساكسوني، ومرتزقته وأذرعه.
قهقهوا في سرهم وبالعلن، عندما استمعوا لتهديدات ترمب، وحشوده من الأساطيل والطائرات الاستراتيجية. وشكروا الله على غبائه، فالمُنازلة في البحار الحاكمة مع أمريكا، وهي تُرهب الدول والأمم والشعوب، وإلحاق الهزيمة بها خير فعلٍ، وإنجازٌ عبقري، وفرط استراتيجي. سيؤمن ليمن الحكمة والإيمان موقعاً مؤسساً وحاكماً، ويعود سيد البحار. فقد تجرأ، وقاتل الانجلوساكسون، المَهمة التي لم يفعلها سواهم منذ ٤٠٠ سنة!
مؤشرات أولية على إنجازات اليمن
بعد سبعة أسابيع من حماقة ومغامرة ترمب، اشتبك فيها اليمنيون باقتدار على جبهتين في البحر والجو مع أمريكا، وأطبقوا الحصار الجوي إلى البحري على إسرائيل نصرةً لغزة، اضطر ترمب أن يعلن وقف حربه وهزيمته، وأَرفق الإعلان بإشارات دالة، وخطوات جادة لفك العلاقة مع نتنياهو وإسرائيل. وبدأ جولة بطش وتهميش بضباط وبيروقراطية البنتاغون، وغيَّر من لهجته بإزاء إيران، والاعتداء عليها، وأَكد رغبته باتفاق نووي سلمي.
تلك أُولى مؤشرات إنجازات اليمن العبقرية والفرط استراتيجية. فلو انتصر ترمب لأقدم على تدمير إيران، ولفوض نتنياهو بالشرق الأوسط، وأسنده في تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير أهل غزة والضفة.
في اليمن، وفي غزة وشعبها الأبدي، ومقاومتها الأسطورية، ورجالها النادرون، وضع الله سره في أشرف وأطهر خلقه.
فغزة واليمن يهزمون إسرائيل، ويقهرون أمريكا وعالمها الانجلو ساكسوني مجتمِعاً، وهو في أقوى قوته، ومهيمن عالمياً. ويحاربون بفطنة واقتدار، فيصنعون ما كان بِعُرف المهزومين والمترددين وتجار الوطنية والقومية والدين مستحيلاً. ويبددون الأكاذيب والأوهام، ويعلِّمون الأمم والشعوب كيف تُنتزع الانتصارات التاريخية، وكيف يكون الصبر والمقاومة والقتال.
فنصر اليمن محقق ومعاش، وغزة على عتبة نصر مُجَلَّل وتاريخي، يفتح أبواب القدس وفلسطين لزمن التحرير.
تذكروا واحفظوا جيداً مقولة؛ أنَّ المنتصر يكتب التاريخ، وهذه المرة، هو مَن يقود ويقرر المستقبل
باي باي أمريكا
باي باي إسرائيل، ونُظم الرِدَّة والخيانة المتساندة مع إسرائيل، لتأمين مصالح الغرب وشركاته على حساب الأمة والشعوب.
فإرادة الله ورميته المحكمة أن فَوَّض غزة واليمن.