المصدر الأول لاخبار اليمن

حين تتحول الافراح إلى كوابيس.. الطفل “نوح” يحتفل بوداعه الأخير في غزة

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

 

الطفل نوح داود السقا، لم يكن يدرك أن احتفاله البسيط بعيد ميلاده العاشر سيكون الوداع الأخير.. ففي مساء بهيج ارتدى ملابسه النظيفة، احتضن كعكة بسيطة أعدها والده بمواد غذائية شحيحة، أطفأ شمعته، وصفّق محاطًا بضحكات أمه وإخوته، وتمنى أمنية صغيرة، ثم خلد إلى النوم مبتسمًا.. وفي صباح اليوم التالي، استُهدفت حياته.

احتفال تحت الحصار

رغم الحصار الخانق وشح المواد الغذائية، أصرّ والد نوح على إدخال الفرحة إلى قلب ابنه المدلل.. جهّز له كعكة بسيطة، ووضع بعض الزينة، ليحظى الصغير بلحظة فرح في مدينة تعاني من حرب إبادة جماعية لا تنتهي على قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ضحك نوح، صفق مع إخوته، التقط صورة بكعكته، وتسلّم هدية مالية صغيرة قال إنه سيشتري بها لعبة أو قطعة شوكولاتة، لم يكن يعلم أن رغبته البسيطة ستظل معلّقة في الفراغ، بعدما قرر صاروخ “إسرائيلي” أن ينهي أحلامه فجأة.

مجزرة التايلندي

وفي صباح اليوم التالي، لم يجد نوح وقتًا لفتح هديته الصغيرة، إذ باغتته الطائرات الصهيونية بصاروخ مزّق جسده النحيل في حي الرمال غرب مدينة غزة، مستهدفة منطقة التايلندي المكتظة بالسكان.. كانت تلك لحظة النهاية لطفل بدأ للتو عامًا جديدًا من عمره القصير.

في الحي الذي ودع نوح وعشرات المدنيين حياتهم، ساد صمت ثقيل، قطعه بكاء الأطفال وخوف الأمهات.. كانت “مجزرة التايلندي”، كما سمّاها سكان غزة، واحدة من أعنف غارات طيران الاحتلال الإسرائيلي، التي ضربت مدينة عزة صباح الأربعاء الماضي، لم تكن تلك الجريمة استثناءً.. بل جزءًا من سلسلة هجمات دمرت مطعماً ومنازل مدنيين، وحولت السوق الشعبي والشوارع في حي الرمال إلى ساحات ركام ودماء، وخلفت 33 شهيداً و86 مصاباً، غالبيتهم من النساء والأطفال.

وداع في المشرحة

“مبارح كان يوم ميلاده، واليوم لبس أحلى ملابسه.. إيش ذنبه؟!”، قالها داود السقا بصوت متهدج، وهو ينحني على جثمان طفله نوح في مشرحة مستشفى الشفاء، حيث سُجي جسد الطفل نوح في الممر البارد، ملفوفًا بكفن أبيض، والدماء لا تزال تبلل قميصه.

انحنى والده ليلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة، بعد ساعات فقط من احتفاله به كطفل أتم عامًا جديدًا.. لم يكن يتوقع أن يتحوّل اليوم الأسعد إلى أسوأ كوابيس حياته، وأن فرحة الأمس تحوّلت إلى كفن ودماء.. وبصوت محطّم، قال الأب: “كنت منتظر أشوفه يكبر، يروح المدرسة، يفرح بالحياة.. بس الحرب ما خلت لنا شي”.

طفولة بلا أعياد

قصة نوح ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تتكرر يوميًا في قطاع غزة، حيث تحوّل الفرح إلى ترفٍ مهدد، والحياة إلى انتظار مرير للموت.. 34,270 من الأطفال استشهدوا في الأشهر الأخيرة، بعضهم قبل أن يتعلموا نطق أسمائهم جيدًا، وآخرون حُرموا حتى من اللعب أو الذهاب للمدرسة.

العالم يتفرج

انتشرت صورة نوح وهو يطفئ شموع عيد ميلاده الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتحوّل إلى رمز لطفولة مغدورة، لم يبق من أمنيته شيء، سوى دمعة في عيني والده، وسؤال يصرخ في وجه العالم: لماذا يُقتل الأطفال؟

ما زالت صورة نوح وهو ينفخ شموع عيد ميلاده تنتشر على وسائل التواصل، كأنها صرخة في وجه العالم: “أنقذوا الطفولة المذبوحة في غزة من المقصلة”.

نوح، الطفل الحالم، أراد فقط أن يعيش.. أن يفرح بيومه الخاص، بهدية صغيرة، وربما حبة شوكولاتة.. لم يكن يتخيل أن شموع عيد ميلاده ستكون آخر ما أضاء وجهه البريء، قبل أن تطفئها نيران حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

قد يعجبك ايضا