المصدر الأول لاخبار اليمن

غزة بين الركام والصمت الإعلامي.. المعهد الدولي للصحافة يحذر من “ثقب إعلامي قاتل”

غزة/وكالة الصحافة اليمنية

 

بين أنقاض غزة، حيث المنازل المدمرة والطرق المقفرة، يتحرك الصحافيون الفلسطينيون بحذر شديد، يحملون كاميراتهم وهواتفهم المحمولة لتوثيق ما يحدث خلف جدران الحصار. هنا، لا تصدق العين كل شيء، لكن الواقع الميداني يتحدث بصوت أعلى من أي بيان رسمي.

يؤكد المعهد الدولي للصحافة (IPI) أن منع وسائل الإعلام الدولية من دخول قطاع غزة منذ عامين حول القطاع إلى “ثقب أسود إعلامي”، لا يرى فيه العالم إلا ما تسمح به رواية الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول سكوت غريفين، المدير التنفيذي للمعهد: “الصحافيون الفلسطينيون خاطروا بحياتهم لنقل الأخبار والمعلومات من داخل غزة، ومخاطرتهم هذه هي ما كشف جزءًا من فظائع الحرب في ظل ظروف لا تُصدق”.

على الأرض، يروي أحد الصحافيين المحليين، الذي فضل المعهد عدم الكشف عن اسمه، تجربته اليومية: “نحمل الكاميرات والهواتف ونخاطر بالذهاب إلى أماكن القصف فورًا، في محاولة لتوثيق كل ما يحدث. كل انفجار أو قصف مباشر يذكرنا بأننا نعمل على حافة الهاوية”.

 

حصار إعلامي ممنهج وأرقام مرعبة

منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، حُرمت وسائل الإعلام الدولية من دخول غزة. في المقابل، تحمل الصحافيون الفلسطينيون وحدهم عبء نقل الأخبار وتوثيق الأحداث اليومية، وسط قصف مباشر، نزوح متكرر، وجوع خانق.

وأظهر المعهد الدولي للصحافة أن أكثر من 255 صحافيًا فلسطينيًا استُشهدوا خلال عامين من العدوان، وهو ما يجعل هذا النزاع “الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للعاملين في الميدان الصحفي”. هذا الرقم يوضح المخاطر الكبيرة التي يواجهها الصحافيون، والتي تتجاوز مجرد التهديد بالقتل لتشمل الاعتداءات، التفجيرات العشوائية، وحرمانهم من الحماية أو المرافق اللوجستية الآمنة.

وأشار غريفين إلى أن القيود “الإسرائيلية” على الإعلام الدولي تمثل خنقًا ممنهجًا لحرية الصحافة، وتتناقض مع المواثيق الدولية التي تضمن الحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات.

ويضيف: “استمرار هذا الحظر يعزز الإفلات من الرقابة والمساءلة، ويجعل المجتمع الدولي عاجزًا عن رصد الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين”.

 

السيطرة على الرواية وحجب الحقيقة

التحليل الميداني يشير إلى أن التعتيم الإعلامي ليس مجرد نتيجة قيود لوجستية أو أمنية، بل هو سياسة متعمدة تهدف إلى حجب الحقيقة عن العالم. في الوقت الذي يقبع فيه المدنيون بين الأنقاض، يعتمد الاحتلال على الرواية الرسمية والصور المعدلة لتشكيل صورة خارجية مضللة، فيما تصبح الصور والفيديوهات من هواتف الصحافيين المحليين هي النافذة الوحيدة على الواقع.

يقول صحافي آخر من غزة: “نرسل الصور والفيديوهات إلى وكالات الأخبار الدولية، لكن الوصول إليها محدود، وكل يوم نشعر بأن العالم يجهل حجم الكارثة الحقيقية”.

ويؤكد المعهد، أن هذه السياسة تهدف أيضًا إلى تضليل الرأي العام الدولي، وحماية الاحتلال من مساءلة حقيقية. فالحد من التغطية الدولية يترك المجال مفتوحًا للمعلومات المضللة، ويجعل تقييم الوضع الإنساني والسياسي ناقصًا، ويؤثر على اتخاذ قرارات حاسمة من قبل المجتمع الدولي.

 

الحق في المعرفة كحق إنساني

يؤكد المعهد أن الحق في الوصول إلى المعلومات لا يقل أهمية عن الحق في الحياة نفسها. ويقول البيان: “فتح غزة أمام الإعلام الدولي هو خطوة أساسية لاستعادة الحقيقة، وإنقاذ ما تبقى من الضمير الإنساني العالمي”.

ويضيف البيان، أن الإعلام المستقل لا يقتصر دوره على نقل الأخبار، بل يشكل خط الدفاع الأخير عن المدنيين، إذ يساهم في توثيق الانتهاكات، ومراقبة الحروب، وتوفير أدلة قانونية يمكن أن تُستخدم لاحقًا في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

 

تداعيات على المجتمع الدولي

غياب الإعلام الدولي يرفع المخاطر بشكل أكبر، ويجعل جهود الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أقل فعالية. فمن الصعب توثيق الانتهاكات واتخاذ خطوات عملية في ظل غياب شهادات مستقلة وموثقة.

ويحذر خبراء حقوقيون من أن استمرار هذا الوضع يعزز شعور الإفلات من العقاب، ويضعف القيم الدولية المتعلقة بالمساءلة، ويجعل أي جهود لإعادة بناء غزة أو تقديم المساعدات الإنسانية أكثر تعقيدًا.

يقول أحد الباحثين في الشأن الفلسطيني: “إذا لم يرسل المجتمع الدولي الصحافيين إلى غزة، فإن كل ما سيصل إلى العالم سيكون جزئيًا أو موجهًا، ولن تُعرف الحقيقة كاملة عن حجم الكارثة الإنسانية”.

 

فتح غزة أمام الإعلام الدولي ضرورة عاجلة

يتضح من هذا التقرير أن غزة تحولت إلى “ثقب أسود إعلامي” نتيجة القيود المفروضة من الاحتلال، وأن الصحافيين الفلسطينيين يدفعون ثمن نقل الحقيقة بأرواحهم.

ويؤكد المعهد الدولي للصحافة أن حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات يجب أن تُعامل بنفس أهمية حق الحياة، وأن السماح لدخول الإعلام الدولي إلى غزة ليس خيارًا بل ضرورة عاجلة لإنقاذ المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

بين الركام والدمار، بين البيوت المدمرة والطرق المقفرة، يقف الصحافيون الفلسطينيون على خط النار، ينقلون للعالم ما لا يستطيع الآخرون رؤيته. وإذا استمر الصمت الدولي، فستظل الحقيقة مختبئة في “الثقب الأسود الإعلامي”، تاركة ملايين البشر بلا صوت، والضمير العالمي بلا قدرة على التدخل.

 

 

قد يعجبك ايضا