خاص | تقف مدينة عدن وبقية المحافظات الجنوبية على وشك الانفجار لبركان الغضب الشعبي العارم ضد قوى النهب الموالية للتحالف، بعد عقد كامل من الخداع المنظم، والفقر المدقع، والظلام الحالك، والوعود الوهمية التي حولت عدن والجنوب إلى كارثة إنسانية مشينة.
طيلة العشر السنوات الماضية لم تترك طائرات التحالف، بقيادة السعودية والإمارات، حجرا على حجر في البنية التحتية للمحافظات الجنوبية، ولليمن بشكل عام في حربها التدميرية لتنفيذ الأجندات الأجنبية في اليمن، لكن الدمار لم يكن سوى أداة لسياسة منهجية، أعقبها إعادة تدوير لنخب الفساد والنهب عبر “مجلس القيادة” الذي أعادته السعودية إلى قصر معاشيق خلال أبريل 2022.
حيث كرس هذا المجلس نظاما جديدا لتمزيق النسيج الاجتماعي، وتقاسم النهب العلني لإيرادات المحافظات الجنوبية، بينما يعاني المواطن من انقطاع الكهرباء، وتوقف المرتبات، وارتفاع الأسعار، في مشهد مأساوي يختزل فشل تلك الأدوات وخيانتها.
وفي هذا الإطار، أصبحت المحافظات الجنوبية مرتهنة بالكامل لإرادة وإدارة الخارج، تتحكم بها أياد خفية من واشنطن ولندن و” تل أبيب”، وتمرر الأجندات عبر الكفيل الخليجي، حيث لم تعد عدن وأخواتها تملك قرارها، بعد أن تحولت مطارات المكلا والغيضة ومنشأة بلحاف الغازية الاستراتيجية والجزر اليمنية، ومنها أرخبيل سقطرى، شرق خليج عدن، وميون في مضيق باب المندب، وزقر وغيرها، إلى قواعد عسكرية أجنبية أمريكية و “إسرائيلية” مشتركة، في صفقات مريبة موجهة ضد اليمن، سيدفع الجميع الثمن في مقدمتهم أبناء تلك المحافظات الذي يتم تجنيدهم لتنفيذ الأجندات “الإسرائيلية” باليمن.
من جهة أخرى، 10 سنوات من الحرب على اليمن، تبخرت معها وعود التحالف وأدواته المحلية بتحويل عدن إلى “دبي جديدة”، وتحطمت على صخرة الواقع المؤلم كل الآمال المستقبلية، فبعد أن كانت عدن “درة العرب”، تحولت إلى مدينة للمستنقعات، تغرق في مياه الصرف الصحي، وعاد سكانها إلى نقل المياه على ظهور الحمير، بينما تحولت شوارعها وسواحلها إلى مرتع للأبقار، وامتلأت بأطفال يتسولون ونساء يبحثن الأكل في القمامة. هذه هي ما يطلقون عليها المناطق “المحررة” بثمارها المزيفة، وهي نتيجة طبيعية لأدوات التحالف.
وعلاوة على ذلك، حول التحالف المناطق الجنوبية والشرقية لليمن إلى كانتونات صغيرة متناحرة أشبه بالسلطنات المتصارعة، كما كانت قبل ثورة أكتوبر المجيدة، في مؤامرة واضحة من الاحتلال الجديد لإضعاف اليمن ككل وإعادة تلك المحافظات إلى عهد التشرذم والصراعات المناطقية التي عادت خلال السنوات الماضية.
وبينما تتصارع الأدوات المحلية الموالية للتحالف على فتات موائد الكفيل، تتصاعد الدلائل على استعدادات بعضها للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفق التوجه الإماراتي، مع استخدام الجماعات الإرهابية كـ”القاعدة وداعش” أدوات للنفوذ في جنوب اليمن، لاسيما “أبين، شبوة، حضرموت”، في مشهد مفخخ بالكامل، ترسم ملامحه في غرف عمليات خارجية، لضمان استمرار وبقاء تلك المناطق ساحة للمشاريع الدولية المتصارعة.
لذلك، برزت الذكرى الـ 62 لثورة 14 أكتوبر كجرس إنذار مرعب لقوى التحالف وأدواته المحلية، لتؤكد للجميع أن أيام الخداع قد وَلت، وأن أبناء وأحفاد الثوار الأحرار الذين أطاحوا بالإمبراطورية البريطانية الاستعمارية، قادرون اليوم على كسر القيود الإقليمية والدولية لتحرير أنفسهم من الاحتلال الجديد، وإن تعددت أشكاله وأدواته وذرائعه تحت عناوين منمقة وكاذبة لا تَمت للواقع بصلة.
بالتالي، لم يعد يحتمل أبناء المحافظات الجنوبية تمرير اللعبة الخارجية المكشوفة على حساب معاناتهم الاقتصادية والمعيشية، وأن الصمت لن يجني سوى المزيد من الويلات لهم ولأبنائهم من بعدهم، بعد فقدان القيادات الجنوبية بوصلة الكرامة والحرية الشاملة، حين اتجهت بأهدافها ومشروعها للانحدار نحو الهاوية، ليبقى القرار اليوم هو بأيدي الأحرار من أبناء تلك المناطق.
في الختام، إن الاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر هذا العام ليس مجرد استذكار للماضي، بل هو تجديد للعهد، واستعادة لروح الثورة التي ترفض الخنوع، مع بروز الدعوات المحلية لتصحيح المسار، والتخلص من الأدوات التي ارتهنت للخارج، التي لم تقدم سوى الدمار والفساد، ليبرز سلاح الوعي الشعبي المتصاعد على الساحة هو الأقوى لمواجهة مشاريع التفتيت، ووضع حد للمأساة، قبل أن تنزلق المحافظات الجنوبية إلى المجهول.. بركان الأحراز في عدن يغلي ولكنه لن يظل خامدا إلى الأبد.