المصدر الأول لاخبار اليمن

صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (4)

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

إعدام الخونة وتصفية المتعاونين

ربما تأذى البعض من مشاهد الإعدامات التي تمت على الهواء مباشرةً في قطاع غزة، بعد أيامٍ قليلةٍ من تثبيت وقف إطلاق النار، ورأوا أن الصورة تضر بهم ولا تخدمهم، وتشوه قضيتهم وتألب المجتمع الدولي ضدهم، وتستفز العائلات وتشوه سمعتها وتسيء إليها، وأنها تستدعي صوراً مشوهة ومشاهد سيئة يكرهها العالم كله ويخشى العودة إليها، في إشارةٍ إلى الصورة النمطية لعمليات داعش والجماعات التكفيرية، وتمنوا لو أن هذه العمليات ما تمت في الشارع العام، وعلى ومرأى من العالم كله، حيث سجلتها وسائل الإعلام، وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ العدو وحلفاؤه، والمغرضون والحاقدون والكارهون، في استغلال ما حدث في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية.

قد يكون البعض على حقٍ في موقفهم الناقد لعمليات الإعدام التي تمت في الشوارع العامة، ولعل رأيهم فيما حدث رشيدٌ ومقدر، وفيه من الحكمة والحرص ما يجعلنا نصغي إليهم ونحترمهم، ونقدر رأيهم ونستفيد من نصحهم، خاصةً أنهم ليسوا ضد قتل العملاء وتصفيتهم، ومعاقبة الخونة وإعدامهم، الذين أوغلوا كثيراً في دماء الشعب الفلسطيني، وخانوا أهلهم ووطنهم، وتعاونوا مع العدو الذي قتل شعبهم وأهلهم وجيرانهم، واتفقوا معه على تدمير قطاعهم، وتخريب وطنهم، وقبلوا أن يكونوا أداةً قذرةً في يده، يستخدمهم لتنفيذ أعمالٍ يندى لها جبين الشرفاء، ويشمئز منها العقلاء، ولا يقبل بها الوطنيون أياً كانت جنسيتهم أو دينهم، ويرفضها محبو أوطانهم أياً كانت هويتهم وقوميتهم.

ربما كان الأجدر بالمقاومة الفلسطينية أن تنفذ عمليات التصفية والإعدام ضد الخونة والعملاء بصمتٍ ودون صخبٍ، بعيداً عن الأضواء وبغير إعلانٍ وتصريحٍ، وإن كان هذا الشكل يفقدهم الرادع الزاجر الذي يتطلعون إليه ليكون درساً للآخرين يتعلمون منه، وعبرةً قاسيةً ينأون بها بأنفسهم عنها وعن السقوط في هذا المستنقع القذر الآسن، الذي سيودي حتماً بحياتهم مهما تأخر العقاب والجزاء، وسيورثهم ذلاً وهواناً وضعةً وصغاراً، وسيضع أهلهم وعائلاتهم، وعشيرتهم ومن انتمى إليهم في مواضع سيئة مهينة، ومحرجة مشينة، يصعب عليهم الخلاص منها أو العيش في ظلها.

لعل أصحاب هذا الرأي على حقٍ، فهم يحرصون على المقاومة ويخافون على قضيتهم، ويدافعون عن شعبهم ويصرون على عقاب من أساء إليهم، ويرون أن العدالة الثورية يجب أن تأخذ مجراها، وأن الأحكام العرفية والعسكرية في ظل الحرب والمعركة الجارية، يجب أن تنفذ في الساقطين والعملاء والمشبوهين، وليس هناك ثمة فسحة من الوقت لاعتقالهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم، والمصادقة على الأحكام الصادرة بحقهم، فالعدو يحرص عليهم ويحميهم، ويحاول الدفاع عنهم ومنع سقوطهم في أيدي المقاومة، وقد استجاب لهم وقصف مناطق كثيرة لحمايتهم، وأبعد بقوة النار رجال المقاومة عنهم، وقتل العشرات منهم، لذا يكفي لقتلهم ثبوت انحيازهم للعدو، وقتالهم إلى جانبه، وإرشادهم له وتزويده بمعلوماتٍ أضرت بشعبهم والمقاومة.

أما العدو ومن معه، والإدارة الأمريكية ومن تحالف معها، والحاقدون والكارهون لشعبنا، والقاعدون والمناوئون لمقاومتنا، فلا رأي لهم ولا نصغي إليهم، ولا نعبأ بانتقادهم ولا نحترم وجهة نظرهم، فهم لا يخلصون لنا ولا يصدقون معنا، ونحن نشك في مواقفهم ولا نظن فيهم لعلمنا بهم وتجربتنا معهم إلا سوءً، فهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بيننا، ويعملون على نشر الرذيلة في صفوفنا، من خلال زرع العملاء وبناء شبكات التجسس، وخلق مليشيات مأجورة وعصاباتٍ عملية، تمعن في قتل الشعب، وتثخن في دمائه.

أولئك يريدون أن يستبقوا العملاء لهم، يعملون معهم، وينوبون عنهم، ويتمون عملهم، وينفذون أوامرهم، ويكونون أداتهم القذرة في قطاعنا الحبيب، وعيونهم الوقحة في مراقبة شعبنا ومتابعة المقاومة والتجسس عليها، ولهذا فقد هالهم ما حدث لهم وأصابهم، وأزعجهم ما لحق بهم ونزل فيهم، لا حباً فيهم أو خوفاً عليهم، إذ لا قيمة لهم عنده، ولا يتمسك بهم إذا وقعت الواقعة، ولا يحرص عليهم إذا استلزم الأمر، بل لا يسمح لهم بتجاوز الحدود، وربما يطلق عليهم النار إذا رأى أن مهمتهم قد انتهت، وأن أدوارهم قد كشفت، وأصبح من المتعذر عليهم العمل بين الشعب وقريباً من المقاومة.
لا حزن على قتلهم، ولا ندم على تصفيتهم، ولا ينبغي السكوت عنهم أو الصبر عليهم، اللهم إلا من ثبتت توبته، وأثبت عملاً لا قولاً ندمه على جريمته، وكفر عنها بأفعالٍ تشهد له، وشهودٍ عدولٍ يشهدون له، وإلا فإنهم شرٌ مطلق وعدوٌ أخطر، وسرطانٌ خبيثٌ قذر، ينتشر ويتمدد، ينبغي استئصاله والخلاص منه، ولعل من سبقنا في ثوراته يؤكد صوابية قرار المقاومة، وحكمة رجالها، وعدالة أحكامها، وخطأ من رأف بهم وصبر عليهم، أو عفا عنهم وسامحهم.
يتبع ……

كاتب وباحث سياسي فلسطيني

قد يعجبك ايضا