المصدر الأول لاخبار اليمن

أنظمة الخليج ومشاهيرها.. كيف يصنعون سردية تبرير الخيانة وقبول التطبيع؟

تقرير | وكالة الصحافة اليمنية

منذ نهاية العام 2017 وحتى نهاية العام 2019 شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة غير مسبوقة من الخطاب الإعلامي الخليجي، وخصوصاً السعودي، الذي تناول القضية الفلسطينية بنبرة تقلل من أهميتها وتدعو إلى التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي.

وازدحمت منصات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها ” تويتر” بمواقف لمشاهير ، وصحفيين وكتّاب سعوديين انتقدوا القضية الفلسطينية أو قللوا من شأنها، من بين هؤلاء الكاتب تركي الحمد الذي صرّح بأن القضية لم تعد تعنيه واصفًا إياها بأنها “قضية من لا قضية له”.

 كذلك كتب كل من عبدالرحمن اللاحم ومثيب المطرفي منشورات تؤكد أن الانشغال بالشؤون السعودية أهم من متابعة القضية الفلسطينية.

وفي موقف أثار جدلاً واسعاً، دعا الصحفي عبدالحميد الحكيم — خلال مقابلة مع قناة “الحرة” الامريكية إلى الاعتراف بالقدس “رمزاً دينياً لليهود” وبقداسة موازية لقداسة مكة والمدينة لدى المسلمين، بينما كتب حمزة بن محمد السالم متوقعاً أن تصبح “إسرائيل” الوجهة السياحية الأولى للسعوديين” في حال تم توقيع اتفاق سلام.

لم يقتصر المشهد على السعودية؛ فقد انضم إعلاميون وكتّاب خليجيون آخرون مثل الإعلامية الكويتية فجر السعيد والكاتب علي الفضالة إلى خطابات مشابهة وصفتها شرائح واسعة من الجمهور العربي بأنها “تبرير للخيانة” وتطبيع ذهني ووجداني مع الاحتلال “الاسرائيلي”.

 

مفردات موحّدة وحملة منهجية

تنوعت المنابر وقتها لكن الخطاب كان واحداً تقريباً (إتهام الفلسطينيين بـ”نكران الجميل” – اتهامهم ببيع أرضهم ، والترويج لفكرة أن لدى السعودية ودول الخليج “قضايا أهم من فلسطين، مفاضلات مفتعلة ، بين المسجد الأقصى والحرمين ) .

وانتهج  بعض الكتّاب خطاباً مطابقاً تقريباً للرواية “الإسرائيلية” إذ قُدمت المقاومة الفلسطينية باعتبارها “وهمًا”، بينما صُورت “إسرائيل” كـ”الواقع الذي يجب الاعتراف به”، ووصل الأمر لدى البعض إلى المطالبة بضم “إسرائيل” إلى الجامعة العربية .

وتزامنت هذه الخطابات مع فترة تمهيد سياسي بدأت قبل إعلان اتفاقيات التطبيع المعروفة بـ”اتفاقيات ابراهام  عام 2020، ما أكد وقتها وجود عملية منظمة لـ”تهيئة الرأي العام” للقبول بأي خطوات رسمية لاحقة .

والحقيقة ان ما جرى بين 2017 و2020 لم يكن مجرد آراء فردية، بل حملة متكاملة استُخدمت فيها منصات التواصل والإعلام والشخصيات المؤثرة لتسويق القبول العربي بالتطبيع وتجريم الخطاب الفلسطيني المقاوم، والتبرير للخيانة وتدجين الشعوب .

 

إشادة أمريكية بدور الأصوات الخليجية

في  مايو 2019، لفتت هذه الموجة الإعلامية الأنظار دولياً حين أشاد جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بتعليقات ناشطين سعوديين هاجموا المقاومة الفلسطينية أثناء العدوان على غزة.

ونشر غرينبلات تقريراً من موقع “ميمري” تضمن تغريدات لعدد من الكتّاب السعوديين، بينهم تركي الحمد ومحمد آل الشيخ وعبد الحميد الحكيم، تشارك جميعها في انتقاد المقاومة وتقديم إسرائيل كضحية مهدَّدة .

 

 

 ما بعد طوفان الأقصى

لم يختلف المشهد كثيراً بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، إذ ظهر بوضوح كيف استعانت أنظمة عربية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، بمجموعة من المشاهير ورجال الدين والشخصيات العامة لتبرير مواقفها السياسية ومنع أي تحركات شعبية داعمة لغزة والمقاومة الفلسطينية، بدت الرسائل منسّقة ومتزامنة، وهدفها تدجين الشعوب وقطع الطريق أمام أي موجة تضامن واسعة كانت تتشكل في مختلف المدن العربية.

ومن أمثلة تلك الدعوات خطاب  الداعية السعودي سليمان الرحيلي في 25 أكتوبر 2023 والتي أثارت موجة غضب واسعة بعد انتشار مقطع فيديو له يدعو فيه إلى عدم الخروج في مظاهرات لدعم غزة بحجة “اختلاط الرجال والنساء” وما قد يصاحبها — بحسب وصفه — من مخالفات شرعية .

وربط كثير من المعلقين هذه الدعوة بالموقف الرسمي السعودي الذي منع أي مظاهر احتجاج أو تجمعات رغم أن مدناً عربية وإسلامية شهدت مظاهرات عارمة دعماً لغزة.

 واعتبر ناشطون أن خطاب الرحيلي جاء منسجماً مع سياسة رسمية تسعى لعدم إفساح المجال للرأي العام للتعبير عن غضبه إزاء المجازر التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي.

 

 

هجوم على المقاومة وشيطنة حماس

لم يقف الامر عند هذا الحد فقد امتد توظيف المنابر الدينية الخليجية إلى ما هو أبعد من منع المظاهرات ، ففي مارس 2024، فجّر الداعية الكويتي عثمان الخميس جدلاً كبيراً عندما وصف حركة حماس بأنها “جماعة منحرفة” ألقت نفسها “في أحضان إيران”، معتبراً أنها تتحمل جانباً من المسؤولية عما يجري.

 ورغم إقراره بوجوب نصرة المظلوم، حرص الخميس في حديثه على فصل غزة عن المقاومة في خطاب اعتبره كثيرون جزءاً من جهود “شيطنة” حماس .

كما أصدر دعاة سعوديون آخرون خطابات مشابهة، من بينهم سعيد بن هليل الذي قلّل من شأن فعل المقاومة واعتبر صواريخها على الاحتلال “غير مؤثرة” و”لا تجلب نفعاً”، متبنياً سردية تقترب من الرواية “الإسرائيلية” التي تسعى إلى تجريد المقاومة من مشروعيتها .

بالتوازي مع الخطاب الديني، نشط عدد من المشاهير والمؤثرين في تبني خطاب محايد أو متماهي مع توجهات الأنظمة، فيما تجنّب كثير منهم أي دعم واضح للمقاومة أو إدانة صريحة للاحتلال، في مشهد فسّره محللون بأنه امتداد لأدوار سابقة في تهيئة الرأي العام للتطبيع قبل 2020 .

الخلاصة : يبيّن تتبّع الخطاب الإعلامي والديني والمشاهيري في الخليج، قبل طوفان الأقصى وبعده، أن ما جرى لم يكن مجرد آراء فردية أو تحولات عفوية في المزاج العام، بل كان جزءاً من هندسة واعية للرأي العام استُخدمت فيها الأدوات الناعمة للسلطة: الإعلام، رجال الدين، المؤثرون، والمشاهير،  وقد أدت هذه الأدوات دوراً محورياً في إعادة صياغة الوعي الجمعي وتوجيهه نحو قبول التطبيع والتخلي عن مركزية القضية الفلسطينية .

كما أثبتت أحداث ما بعد 7 أكتوبر أن هذه المنظومة الخطابية لم تتغيّر، بل تضاعف حضورها عبر دعوات لكبح التضامن الشعبي، ومنع المظاهرات، وتشويه صورة المقاومة، وتقديم الاحتلال باعتباره “الواقع الذي لا مفر منه”.

إن مراجعة هذه المرحلة تكشف أن المعركة لم تكن فقط على الأرض في غزة، بل كانت أيضاً معركة على الوعي، استخدمت فيها القوى الدولية والإقليمية حلفاءها من إعلاميين ورجال دين ومشاهير لصناعة سردية بديلة تبرر الخذلان وتطبع الخيانة، وتدجن الشعوب لصالح عدوها المتمثل بـ “إسرائيل” .

قد يعجبك ايضا