تمر قبائل في محافظات جنوب و شرق اليمن، اليوم بمرحلة مفصلية هي الأشد خطورة في تاريخها الحديث، حيث تواجه القبيلة مؤامرة لتفكيك نسيجها الاجتماعي وإخضاع قرارها لصالح المشاريع الخارجية.
تكمن المشكلة الجوهرية في السياسة التي تنتهجها دول التحالف على رأسها “السعودية والإمارات”، بإضعاف دور القبائل وتجريدها من استقلاليتها، ودورها الوطني، حيث لم يعد الهدف بعد 10 سنوات من الحرب على اليمن هو مجرد كسب الولاءات، بل وصل الأمر إلى محاولة قتل ومحو الهوية الوطنية للقبيلة العريقة وتحويلها إلى أداة طيعة لتنفيذ أجندات أجنبية.
وتتجلى خطورة المرحلة الراهنة في فقدان معظم القبائل في مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق اليمن لبوصلتها الوطنية وارتهان قرارها للخارج، ما أدى إلى تجريدها من دورها كحامية للسيادة، بل وتحولت تلك المناطق إلى مجرد ساحات مفتوحة للصراع بالوكالة وتصفية حسابات القوى الإقليمية على حساب دماء أبناء الأرض في تلك المناطق.
الأمر الذي أدى إلى التشرذم الممنهج وغياب تام للصوت القبلي الموحد، الذي يفترض أن يتصدر المشهد السياسي للمطالبة بحقوق المواطنين المنهوبة وحماية مقدراتهم، بدلا من الانخراط في مشاريع التمزق التي تخدم القوى الأجنبية.
وفضلا عن ذلك، برزت خطورة المخطط الأجنبي في الكثير من الشواهد بحق مشايخ القبائل بقصص مأساوية من القمع والتنكيل لا يمكن تجاهلها بل يجب أن يستنكرها أبناء القبائل الجنوبية ورفضها جراء ما تعرض ويتعرض له المشايخ المناهضون للمشاريع الإماراتية السعودية المتناقضة، بل وصل الأمر إلى تصفية بعضهم داخل السجون تحت التعذيب، بينهم أنيس الجردمي اليافعي في يونيو الماضي، واعتقال الشيخ عبدالولي الصبيحي، بالإضافة إلى اختطاف رئيس “حراك الكرامة لأبناء قبائل الواحدي”، في شبوة الشيخ صالح القميشي، وكذلك علي عشال الجعدني المخفي قسرا في سجون تابعة للإمارات في عدن منذ يونيو 2024م. والذين لم تتمكن القبيلة الانتصار لكرامة مشايخها وأبنائها في تلك المناطق.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى تمزيق القبيلة الواحدة والعمل على استنساخ المكونات المشابهة، كأداة لضرب بعضها البعض، وهو ما ظهر جليًا بين أبناء قبائل سقطرى على يد السلطات الموالية للإمارات التي اتجهت إلى إعادة هيكلة مشايخ القبائل بما يتوافق مع مشروع حليفتها “إسرائيل” في الأرخبيل، وكذلك استنساخ مكون “حلف أبناء وقبائل شبوة” الموالي للرياض، بهدف شق الصف وتطويع القبيلة لتنفيذ مشاريعها التدميرية.
يضاف إلى ذلك، محاولة تفكيك أحد أكبر المكونات القبلية في حضرموت، “حلف قبائل حضرموت”، خلال ديسمبر الجاري، وإيجاد كيانات موازية موالية لأبوظبي، بما يحقق مشاريعها في وادي حضرموت وفق المشروع الذي وصفه الخبراء الإسرائيلي “آفي أفيدان”، مطلع ديسمبر الجاري، “باستراتيجية الكماشة” للتفوق على قوات صنعاء، التي تمتد من أرخبيل سقطرى، مرورا بمدينة عدن، وصولا إلى السيطرة على مخزون اليمن النفطي في حضرموت ذات المساحة الواسعة.
وأدى دعم أبناء القبائل بالسلاح والمال من قبل الأطراف الإقليمية إلى تعميق الشرخ بين أبناء القبائل لخلق عدوات وثارات مزقت النسيج الاجتماعي، حتى تحولت بعض الأسواق الشعبية إلى مسرحًا لتصفية الحسابات فيما بينها، بالإضافة إلى إغراق المجتمع المدني بالحشيش والمخدرات، حتى لا تعود فئات المجتمع متماسكة مع بعضها البعض، إلى جانب استخدام سياسة التجويع الممنهج بقطع المرتبات عن الموظفين، وتدمير الخدمات الأساسية وصولا لإخضاع الجميع لسياسة التمزيق بما يجبر أبناء القبائل على الالتحاق بالفصائل المسلحة الموالية للخارج مقابل حصولهم على الفتات بالريال السعودي، وتدمير المناطق الجنوبية والشرقية لليمن بأيدي أبنائها الذين تم وضعهم في فوهة المدفع للدفاع عن المصالح الأجنبية التي لا تخدمهم لا من قريب أو بعيد.
ورغم كل ذلك يتم نهب الثروات الطبيعية أمام أعينهم عبر الموانئ إلى الموانئ الإماراتية والأجنبية دون أي دور رادع للقبيلة، ما يرى فيه ناشطون أمراً يفرض على أبناء القبائل الجنوبية والشرقية لليمن، خلال المرحلة الراهنة اتخاذ خطوات جادة وحاسمة بالرفض للتبعية الخارجية انطلاقا من الوعي والاسترشاد بالقيم المجتمعية والدينية التي تأمر الجميع بالوحدة وانهاء النزاعات فيما بينهم والالتفات إلى عدوهم الحقيقي الذي عاث في مناطقهم فساداً وأدخلها في دوامة الصراعات والفوضى والاقتتال بخلاف ما كانوا عليه قبل شن الحرب على اليمن في مارس 2015م.
كما يحتم على القبيلة أن تكون سندا للمظلوم لا أداة تطوع أبنائها لتنفيذ المشاريع الأجنبية التي أدخلتهم في صراعات لاستنزاف خيرة أبنائهم.
وهو الأمر الذي يضع مشايخ ومقادمة القبائل في جنوب وشرق اليمن أمام حقيقة الخطر الأجنبي الذي يسعى لتمزيق اليمن إلى كانتونات صغيرة ذات هويات مصطنعة تدار من الخارج، والتمسك بمرجعياتها القبلية التي تضع سيادة اليمن وحقوق أبنائه فوق كل اعتبار، والعمل على إنهاء سيطرة القوات الموالية للخارج على الثروات الطبيعية، واعتبار الدفاع عن الثروات القومية للبلد واجبا وطنيا ودينيا بدلا من الاقتتال في صفوف التشكيلات الخاضعة لأطراف أجنبية، وفق المخطط صهيوني الذي يحاك على اليمن الأرض والانسان والتاريخ والهوية، والانتقال إلى مربع الدفاع الحقيقي عن العزة والكرامة، بما يفضي إلى استعادة الكرامة المجتمعية، التي تبقى مرهونة بقدرة القبائل في جنوب وشرق اليمن على كسر قيود التبعية والتوحد خلف مشروع وطني جامع لقطع الطريق أمام لصوص الثروات وعملاء الخارج القدامى والجدد.