متابعات/وكالة الصحافة اليمنية//
من بين كامل أفراد أسرته يعيش “يزن”، مع جدته وخاله في أحد مخيمات النزوح بمنطقة النصيرات وسط قطاع غزة، بعد أن نجى من مجزرة أدت إلى استشهاد أبيه وأمه وأخويه. تحاول الجدة والخال أن ينسياه ما حدث لأسرته من خلال تشجيعه على اللعب مع أطفال آخرين بين الخيام، في محاولة لتخفيف وطأة الذكريات الأليمة التي تراوده أحيانًا وخاصة عندما يسأله الأطفال عن أمه وأبيه.
تروي الجدة رمزية طوطح اللحظة التي تلقت فيها خبر مقتل ابنتها وطفليها وزوجها في الهجوم الذي وقع أثناء محاولتهم الاحتماء في ساحة مستشفى المعمداني. تقول الجدة: “في البداية، حاولنا الاتصال بزوج ابنتي، لكنه لم يرد. حينها تأكدنا من الخبر الصاعق. كان الجميع قد قُتلوا، ولم أتمكن من التعرف عليهم في المستشفى لأنهم كانوا أشلاء”.
وتضيف الجدة، في حديث أدلت به لأخبار الأمم المتحدة، أنه رغم الحزن العميق، كان هناك بصيص أمل: “أخبرني أحد أبنائي أن يزن، ابن ابنتي، لا يزال على قيد الحياة.. أخذناه وبدأنا متابعة علاجه في مستشفى شهداء الأقصى، لكن بعد شهر من العلاج، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفى واضطررنا إلى إخلائه، فنزحنا إلى النصيرات وسط قطاع غزة”.
وتتابع الجدة: “أحاول أن أنسيه ما حدث لعائلته من خلال إحضار الألعاب وتقديم الحلوى له، لكن الحقيقة صعبة.. يزن هو الناجي الوحيد، وأحاول أن أخلق له عالمًا جديدًا مليئًا باللعب والضحك ليتجاوز ما فقده”.
أسامة لم ير أبويه
أما الطفل أسامة القرناوي، والبالغ من العمر (عامًا واحدًا)، بات يتيمًا بعد ولادته بفترة وجيزة؛ حيث استشهدت والدته التي أنجبته في يونيو الماضي، خلال غارة دموية استهدفت مدرسة في دير البلح تؤوي السكان النازحين.
وقبلها بشهرين استُشهد والده، ووجدته خالته في قصف منفصل لمنزلهم في مخيم البريج للاجئين في وسط غزة، وقررت إحدى خالات أسامة الناجيات، تبنيه وتربيته مع أطفالها التي قالت للموقع: “وعدت نفسي بأن أربي أسامة تمامًا مثل أطفالي”.
معاناة معيشية
إضافة إلى معاناتهم النفسية، يواجه الأطفال في غزة ظروفا معيشية قاسية بسبب نقص المياه والغذاء والدواء. ويعيش نحو 1.9 مليون شخص، أكثر من نصفهم أطفال، في ظروف مزرية داخل المخيمات، حيث تزداد معاناتهم اليومية مع استمرار العدوان الإسرائيلي.
مازال أطفال قطاع غزة يعانون من العدوان المستمر عليهم منذ أكتوبر 2023؛ حيث يجبر الاحتلال الإسرائيلي الملايين منهم وذويهم على النزوح المستمر دون غذاء أو مياه صالحه للشرب أو رعاية صحيه بالإضافة الي عدم وجود مأوي يحميهم من برد الشتاء أو حرارة الصيف، يواجهون كل ذلك من داخل خيام بالية مما تسبب في وفاة عدد منهم متجمدين، هذا بالإضافة إلى آلاف الأطفال الذين استشهد أفراد أُسرهم ويعيشون بدون عائل.
وقد فقد مئات الألاف من الأطفال الفلسطينيين أسرهم في العدوان المستمرة على غزة، ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، يقدر عدد الأطفال المنفصلين عن ذويهم في غزة أكثر من 17 ألف طفل.
أكثر من 20 ألف طفل في غزة، لم يتجاوزوا سن العاشرة، باتوا أيتامًا بلا أبٍ أو أم.
كل دقيقة تمر، يُنتزع طفل من حضن عائلته، وتُسرق منه طفولته على يد العدوان الصهيوني الهمجي المستمر.
هؤلاء الأطفال لا يفقدون فقط منازلهم، بل يفقدون الأمان، الحب، والانتماء.
إنها كارثة إنسانية تتكشف أمام… pic.twitter.com/ztHELUa2IB— Dr. Zaid Alsalman (@ZaidAlsalman6) April 8, 2025
40 ألف يتيم
وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن أكثر من 40 ألف طفل فقدوا والديهم أو أحدهما خلال عام، وإضافة إلى معاناتهم النفسية، يواجه الأطفال في غزة ظروفًا معيشية قاسية بسبب نقص المياه والغذاء والدواء.
وقال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش في تصريح له الثلاثاء الماضي، ‘ أن الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني عبر منع الماء والغذاء عن أبناء غزة، وحرمان مليون طفل من المساعدات المنقذة للحياة.
وأوضح البرش في تصريحات صحفية أن أكثر من 40 ألف طفل في القطاع باتوا أيتامًا، وأن 100 طفل ماتوا وهم ينتظرون فتح المعبر، مشيرًا إلى أن من يفقدهم الأطباء جراء التبعات (غير المباشرة) للحرب أكثر ممن قتل بنيران الاحتلال.
ووفق الأمم المتحدة ومن بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهرًا يُتوقع حدوث 60 ألف حالة لسوء التغذية الحاد، منها 12 ألف حالة شديدة الحدة بين سبتمبر 2024 وأغسطس 2025.
المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة: أكثر من 40 ألف طفل في القطاع باتوا أيتاما pic.twitter.com/DDKi6G4M4F
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 29, 2025
يتيم ويعول
وبجانب مأساة اليتم، فإن العديد من الأطفال الذين فقدوا والديهم أصبحوا مسؤولين أيضًا عن إعالة أشقائهم الأصغر سنًا، وأكد خبراء بأن تلك الظاهرة لا تحتاج إلى حلول مؤقتة، مقترحين إنشاء صندوق خاص للأيتام للمساعدة في تأمين الاحتياجات الأساسية لهم.
وأكد مسؤولون في القطاع أن الأسر الفلسطينية تدخلت لمحاولة رعاية الأطفال الأيتام، الذين يعانون صدمات نفسية شديدة، نتيجة فقدان أسرهم وتعرضهم المستمر لأهوال الحرب، وتشمل الأعراض التبول اللاإرادي والتشنجات والسلوك العدواني والعصبية المفرطة.
جيل جديد
وبحسب دراسة صادمة أجراها مركز التدريب المجتمعي لإدارة الأزمات في غزة، فإن 96% من الأطفال في غزة يشعرون بأن موتهم وشيك، بينما أعرب 49% عن رغبتهم في الموت.
هذا الواقع المرير، جعل عامي 2024 و2025 هي أسوأ الأعوام على الإطلاق بالنسبة للأطفال في الصراعات في تاريخ اليونيسيف، سواء من حيث عدد الأطفال المتضررين أو مستوى التأثير على حياتهم، وهو ما جعل الأمم المتحدة في يونيو تدرج جيش الاحتلال في قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال التي يطلق عليها وصف “قائمة العار.