المصدر الأول لاخبار اليمن

المجاعة في غزة.. حين يتصدع صمت العالم وتتعرّى الإنسانية والعروبة

الإبادة بصمت وببطون خاوية.. غزة تفضح صمت العالم وتواطؤ العرب

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

ليست المجاعة التي تضرب قطاع غزة اليوم مجرد نتيجة عرضية لحرب طويلة الأمد، بل سلاح ممنهج في إطار سياسة كيان الاحتلال الإسرائيلي باستخدام التجويع كأداة قمع جماعي.. ففي مشهد يعيد للأذهان أبشع صور المجاعات في التاريخ، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة فصول كارثة إنسانية غير مسبوقة، تتجلّى في طوابير الجوعى، وأجساد الأطفال التي لم تعد تجد ما يكفي لتبقى على قيد الحياة.

فبعد 85 يوماً من الحصار الكامل، لم يدخل إلى غزة أي طعام أو ماء أو دواء او وقود، بينما تُمنع المساعدات من الوصول، يتهاوى القطاع على حافة إبادة صامتة، عنوانها العريض: الموت جوعاً، لا بالقنابل فقط.

ومع تدمير النظام الصحي بشكل شبه كامل، تظل أعداد الوفيات بسبب الجوع أو نقص العلاج مجهولة، لكن صور الأطفال الذين تحوّلت أجسادهم إلى هياكل عظمية باتت تشكل صدمة بصرية وأخلاقية يصعب تجاهلها حتى من قِبل أشد المدافعين عن مزاعم “الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس”.

تصدع صمت الغرب المرتبك

بعد 19 شهراً من العدوان الإسرائيلي النازي على غزة، الذي شمل جرائم الإبادة الجماعية، التدمير، والحصار، بدأ الصمت الغربي تجاه المجازر الجماعية يتصدع.. ولأول مرة، تصدر مواقف غربية خجولة تُبدي قلقاً حيال الكارثة الإنسانية في القطاع، لكن تلك المواقف.. وإن أتت متأخرة، لا تزال بطيئة، مترددة، ومقيدة بحسابات السياسة والتحالفات.. فهي ليست كافية لوقف الموت الزاحف على قطاع أنهكته آلة العدوان والحصار، خصوصاً حين نقارنها بالاستجابة الغربية السريعة للحرب في أوكرانيا، حيث تحركت الجيوش والعقوبات والإغاثات في أيام.

وفي السياق، بدأت بعض الصحف الغربية الكبرى، التي لطالما انحازت لكيان الاحتلال الإسرائيلي، بمحاولة مراجعة خطابها، وكأنها تحاول الاعتذار أو تدارك موقفها قبل فوات الأوان.. حيث نشرت تقارير تنتقد فيها صمت الحكومات الغربية، وتسلّط الضوء على المجاعة في غزة، وتتساءل عن حدود الدعم غير المشروط لكيان الاحتلال.

المجازر لا يمكن دفنها طويلاً

فالصور القادمة من غزة – رغم محاولات كيان الاحتلال حجب الحقيقة – بمنع دخول الصحفيين الأجانب وقتل 220 من الإعلاميين الفلسطينيين، لم يعد بالإمكان تغطية الشمس بغربال.. فصور الأطفال الهزلي، ووجوه الأمهات الجائعات، وتكدس جثامين الشهداء، تنساب إلى العالم، وتطرق أبواب الضمير الإنساني بقوة.. وباتت أقوى من آلة التبرير، وأثقل على الضمير الغربي من قدرة حكوماته على الإنكار.

باتت هذه الصور تُقارن علناً بمشاهد معسكرات الاعتقال في الحرب العالمية الثانية، أو المجاعات التي شهدتها أفريقيا في الثمانينات.. إنها المقارنة التي لم تعد تخيف أحداً، بل باتت تدين الاحتلال وتكشف نواياه.

الغائب الأكبر.. خذلان عربي مدوٍّ

وفي مقابل التصدع المتزايد في جدار الصمت الغربي، يظل الخذلان العربي أكثر قسوة بل إن الكثير من العواصم العربية باتت تبدو كأنها قررت الانسحاب من المعركة قبل أن تبدأ.. فقد اكتفت دول الإقليم ببيانات الإنكار والشفقة، دون اتخاذ أي موقف حازم يمكن أن يشكل فارقاً ميدانياً.. لم تُحرك أساطيلها، ولم تغلق سفاراتها، ولم تُهدد بوقف شحنات الغاز أو النفط، بل ولم تنجح حتى في إيصال قوافل الإغاثة إلى من هم على بعد خطوات من حدودها.. وبينما يُدفن أطفال غزة أحياءً تحت الركام أو يموتون جوعاً، تُدفن الكرامة العربية تحت ركام البيانات.

لقد سقطت ورقة التوت عن أنظمة عربية، وتحوّل الخذلان العربي إلى مشهد دائم في كل نكبة فلسطينية، لكن في غزة اليوم، تجاوز الأمر حدود الصمت إلى حد التواطؤ غير المباشر، حيث تبدو بعض الأنظمة وكأنها تفضل بقاء الوضع على ما هو عليه، اتقاءً للإحراج أو للحسابات السياسية الخاصة بها.

الحقيقة التي لا يمكن حجبها أكثر

كل المؤشرات تؤكد أن المجاعة في غزة ليست “كارثة طبيعية” ولا نتيجة ظروف عابرة، بل سياسة ممنهجة اعتمدتها قوات الاحتلال كسلاح حرب، مدعومة بصمت دولي وتواطؤ إعلامي طويل الأمد، ومع ذلك.. فإن المشاهد القادمة من القطاع المنكوب باتت أقوى من الجدران الإعلامية والأكاذيب السياسية، وهي تنجح أخيراً في كسر العزلة وفضح الصمت.

قد يكون الموقف الغربي، حتى الآن، متأخراً وغير كافٍ، لكن استمرار تساقط الشهداء جوعاً قد يدفع هذا التصدع إلى تحوّل أكبر، خاصة مع تزايد الضغوط من الرأي العام العالمي والمنظمات الإنسانية التي بدأت ترفع صوتها بوضوح غير مسبوق.

السؤال المفتوح: ماذا بعد؟

أمام هذا الواقع، يمكننا القول: إن كل من صمت بالأمس، يحاول اليوم تصحيح موقفه – لكن بعد فوات الأوان – فالموت في غزة، لا ينتظر بيانات الشجب، ولا يوقفه الندم المتأخر، وهنا.. يتعين على المجتمع الدولي، وعلى من تبقى من الضمير العربي، التحرك الفعلي لوقف الكارثة، لا الاكتفاء بالمراقبة من بعيد.

قد يعجبك ايضا