المصدر الأول لاخبار اليمن

كيف حوّلت المسيّرة اليمنية مطاراً إسرائيلياً محصناً إلى ساحة رمزية للحرب الإقليمية؟

ضربة رامون..

تقرير/وكالة الصحافة اليمنية//

 

بينما كان الاحتلال الإسرائيلي يفاخر بمنظوماته الدفاعية المتطورة، باغتته طائرة مسيّرة يمنية اليوم الأحد، لتصيب مطار “رامون” في النقب المحتل أكثر مطارات الاحتلال تحصيناً إصابة مباشرة، تاركة وراءها صدمة أمنية ورمزية بالغة.

لم يكن الأمر مجرد استهداف محدود للبنية التحتية، بل تحوّل سريعاً إلى قضية رأي عام في الإعلام العبري، وإلى معركة معنوية في نظر شعوب المنطقة.

وسائل إعلام عبرية وصفت الهجوم بأنه “أكثر أهمية مما كنا نظن”، فيما اعتبره محللون رسالة يمنية تسعى لتثبيت معادلة جديدة عنوانها: “مطار مقابل مطار”.

وبين التحقيقات العسكرية “الإسرائيلية” التي كشفت “إخفاقات خطيرة” في الرصد والاعتراض، وبين الترحيب الفلسطيني والإقليمي، باتت ضربة رامون علامة فارقة في مسار الحرب المفتوحة.

 

صدمة في القيادة

في هذا السياق، اعتبر الجنرال المتقاعد “يعقوب بن دافيد”، القائد السابق في سلاح الجو “الإسرائيلي”، أن ما جرى في رامون “إهانة عسكرية بكل المقاييس”، مؤكداً أن المنظومات الدفاعية التي تُنفق عليها مليارات الدولارات “فشلت فشلاً ذريعاً في أداء أبسط مهامها”.
وأضاف بن دافيد: “القيادة السياسية تبيع الأوهام للجمهور، بينما الحقيقة أن إسرائيل تُدار بردود فعل مرتبكة، وقيادة الجيش غارقة في سباق التصريحات بدلاً من معالجة الثغرات البنيوية”.
وانتقد بشدة صمت وزير الأمن “يسرائيل كاتس”، قائلاً: “نحن أمام قيادة تهرّب من المسؤولية عند الفشل وتتصدر المشهد عند النجاح، وهذا أكبر دليل على انعدام الجدية في معالجة التهديدات الجديدة القادمة من اليمن”.

 

ارتباك إسرائيلي.. الضربة أخطر مما تبدو

القناة 13 العبرية لخصت الموقف بوضوح: اليمنيون يحاولون فرض معادلة “العين بالعين والسن بالسن”، بحيث يصبح استهداف المطارات “الإسرائيلية” ردّاً مباشراً على أي استهداف مماثل تتعرض له صنعاء.

أما القناة 12 العبرية فكشفت أن إحدى الطائرات المدنية التابعة لشركة “يسرائير” اضطرت لتغيير مسارها والهبوط في مطار “بن غوريون” بدلاً من رامون، بعد الضربة مباشرة، في مؤشر عملي على الارتباك الذي أصاب الحركة الجوية.

موقع تابع لسلاح الجو الإسرائيلي تحدث عن فوضى عارمة سادت المطار عقب الهجوم، بينما وصف صحفي “إسرائيلي” المسيّرة اليمنية بأنها “أول رحلة دولية تهبط في مطار رامون منذ افتتاحه”، في استعارة ساخرة تجسد وقع المفاجأة.

 

خلل تقني خطير

إذاعة جيش الاحتلال كشفت أن التحقيق العسكري الأولي أظهر أخطاء خطيرة في منظومة الرصد، إذ لم تتمكن أنظمة الكشف المبكر من رصد المسيّرة نهائياً، ولم يُفعّل أي إنذار أو محاولة اعتراض.

هذا الفشل يضرب في الصميم صورة “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” كمنظومات تحمي سماء الاحتلال، ويعيد إلى الأذهان هجمات صاروخية ومسيرات سابقة لم تتمكن من اعتراضها.

الأخطر أن مطار “رامون” يقع في عمق النقب، بعيداً عن حدود غزة ولبنان، ما يكشف قدرة القوات اليمنية على إيجاد مسارات معقدة للمسيّرات وفهم طبيعة تموضع الدفاعات الجوية “الإسرائيلية”.

 

مطار تحت النار

لم يتوقف الجدل في الاحتلال الإسرائيلي عند الجانب العسكري فحسب، بل امتد إلى البعد الرمزي والمعنوي، فالمطارات في أي دولة تُعد شريانها الحيوي، وتهديدها يعني شل حركة الاقتصاد والسياحة.

صحفيون ومحللون عبّروا عن خشيتهم من أن يصبح مطار رامون عنواناً هشّاً في مواجهة قوات صنعاء، الأمر الذي يضر بصورة الحتلال الإسرائيلي كملاذ آمن.

أحد الصحفيين “الإسرائيليين” وصف المشهد قائلاً: “المسيرة اليمنية هي الرحلة الدولية الأولى التي تهبط في رامون منذ افتتاحه”، في إشارة إلى أن المطار فشل في استقطاب السياحة لكنه نجح في استقبال الضربات.

 

الموقف الفلسطيني.. سلام على اليمن

في الضفة وغزة، ترددت أصداء الضربة بوصفها نصرة عملية للقضية الفلسطينية، الصحفي الفلسطيني محمد هنية علّق بالقول: “مطار رامون تحت القصف اليمني، سلام على اليمن وهو ينتقم، وهو يثأر.. وهو يكتب بالدم ما تعجز عن فعله العرب”.

أما حركة المجاهدين الفلسطينية فاعتبرت العملية “إضافة نوعية وإنجازاً جديداً لقوات صنعاء”، مؤكدة أن موقف صنعاء المبدئي لن يُنسى من الشعب الفلسطيني.

هذه المواقف تكشف أن الضربة تجاوزت حدودها العسكرية لتتحول إلى رمز للتكامل بين جبهات محور المقاومة، بحيث لا تبقى غزة وحدها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

 

الإعلام اللبناني يدخل على الخط

الإعلام اللبناني بدوره احتفى بالعملية، مؤكداً أن المسيرات اليمنية مؤثرة وأن صنعاء تتبع سلوكاً يقوم على تراكم الضربات لإحداث تأثير تراكمي على الأمن “الإسرائيلي”.

هذا الطرح يعكس قراءة مفادها أن اليمن لم يعد يكتفي بردود رمزية، بل يسعى إلى تثبيت معادلات جديدة تجعل من استهدافه بالعدوان الأمريكي ـ البريطاني أو “الإسرائيلي” مبرراً لرد مماثل داخل العمق المحتل.

 

أسئلة صعبة أمام القيادة الإسرائيلية

أمام هذه التطورات، يطرح المحللون في الاحتلال الإسرائيلي أسئلة محرجة:

هل تستطيع الدفاعات الجوية فعلاً التصدي للمسيرات اليمنية إذا طوّرت من مدياتها ودقتها؟

كيف يمكن لـ”إسرائيل” مواجهة جبهة إضافية بعيدة جغرافياً ولكنها مؤثرة معنوياً؟

وهل يشكل هذا الهجوم سابقة ستُفتح بعدها جبهة استهداف المطارات بشكل متكرر؟

الإجابة ليست سهلة، خصوصاً في ظل استمرار الحرب في غزة واستنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من جبهة: لبنان، الضفة الغربية، والآن اليمن والبحر الأحمر.

 

معادلة “مطار مقابل مطار” تترسخ

ما تراه القنوات العبرية كـ”محاولة يمنيّة لفرض معادلة العين بالعين” قد يتحول إلى واقع عملي، فالمطارات “الإسرائيلية” باتت مكشوفة، وأي ضربة جديدة قد تجبر شركات الطيران على وقف رحلاتها أو تقليصها، وهو ما سيضر بالاقتصاد الإسرائيلي بشكل بالغ.

 

اللافت أن هذه الضربة جاءت بعد استهداف الحكومة اليمنية في صنعاء، ما يعني أن القوات اليمنية تربط بشكل مباشر بين استهداف منشآتها المدنية وردها على أهداف إسرائيلية مشابهة.

ضربة مطار “رامون” لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل شكلت نقطة تحول في فهم طبيعة الحرب الإقليمية التي تتوسع يوماً بعد آخر.

بالنسبة لصنعاء، هي رسالة مفادها أن اليمن جزء أصيل من معركة غزة، وأن استهدافه لن يمر بلا ثمن، وبالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، فهي تذكير مؤلم بأن تفوقها العسكري لا يضمن لها الحصانة، وأن مطاراتها ليست بمنأى عن نيران خصومها.

وبين الرواية “الإسرائيلية” المأزومة، والترحيب الفلسطيني والإقليمي، تبدو المسيّرة اليمنية قد خطّت بخطوطها البسيطة على جسد مطار “رامون”، لتفرض معادلة جديدة: لا أمن للاحتلال طالما غزة تحت النار.

قد يعجبك ايضا